طرابلس ضحيّة الشائعات مرة جديدة. لا تكاد هذه المدينة تخرج من أزمة إلا ويتم إدخالها بأخرى. أهل المدينة خائفون. لا يعرفون ما الذي ينتظرهم. لم يكن ينقصهم سوى بضع رصاصات تطال سيارة شقيق رفعت عيد. لا فرق بين أن تكون هذه الرصاصات ابتهاجاً بظهور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على التلفزيون (كأنه كان مخطوفاً وأطلق سراحه) أو أن تكون رصاصات موجهة. لكلا الحالتين الأثر عينه: المزيد من التوتير.
لا يقف الأمر هنا. أبناء التبانة ومن يدور في فلكهم السياسي يقولون إن أنصار النائب السابق رفعت عيد، يعملون على إعادة رفع المتاريس. يتحدثون عن شاحنات تدخل محمّلة بالرمل المخصص لتعبئة أكياس المتاريس. يتحدثون أيضاً عن سلاح جديد دخل إلى جبل محسن. عن راجمات وصواريخ محمولة على الكتف.
في المقابل، لأهل جبل محسن وحلفائهم روايتهم الخاصة. يتحدثون أيضاً عن رفع المتاريس مجدداً، وعن سلاح جديد دخل المعركة. يقولون إن “جبهة النصرة” سيطرت على المدينة، وإن “الجيش الحرّ” بات موجوداً بالمئات، وأن الطرفين يُحضّران لحسم المعركة في طرابلس. يخلطون بين جبهة النصرة والجيش الحرّ، في الوقت الذي يتصادم فيه هذان الطرفان في شمال سوريا في مناطق عدّة. ويقول هؤلاء إن جبهة النصرة تسعى لإقامة الإمارة الإسلاميّة (رغم أن المتهم بأنه أمير هذه الإمارة، أي حسام الصباغ، أزال بنفسه لافتات بإسم الإمارة الاسلاميّة رفعت في طرابلس قبل مدة).
يقول عارفون بشأن المدينة إن أمر المتاريس ليس جديداً، إذ تُرفع بين الحين والآخر، ليُزيلها الجيش لاحقاً. السؤال الأساسي لماذا يسمح الجيش برفعها في الأصل؟ لكنهم لا يرون في هذه المتاريس دلالة جديّة على حصول اشتباك آخر في محور جبل محسن ــ باب التبانة (والمناطق الأخرى كالبقار والمنكوبين وأبي سمرا). أمّا موضوع السلاح، فهو بات كالنكتة السمجة. الجميع يملك السلاح اللازم لحرب الشوارع هذه. صواريخ غراد لا تُستعمل في هذه الحرب.
الكلام عن الحسم العسكري وعن جبهة النصرة مثير للضحك. إنه كحال الراعي الذي قال مراراً إن الذئب يأكل خرافه. ويوم أُكلت الخراف لم يُصدقه أحد. كلام الحسم هذا عمره من عمر الثورة السورية.
يُشير عدد من المتابعين بدقة لوضع طرابلس، أن القوى الأساسيّة القادرة على القيام بمعركة جديّة لا تُريد هذه المعركة. ترى فيها خسائر للجميع في طرابلس. مناصرو الثورة السورية يُدركون أن أي خلل أمني كبير يُغيّر في المعادلة الحاليّة من شأنه قطع الطريق على مساعدة الثورة السورية في مجالي الإغاثة والطبابة. إذ لم يعد سراً على الجميع أن هناك مستشفيات في طرابلس تستقبل الجرحى السوريين، مدنيين وثواراً.
الثابت الوحيد في طرابلس، هو تراجع كثافة رمي القنابل اليدوية والعبوات الصغيرة الحجم والبدائية في أحياء المدينة بعد توقيف من كانوا يرمونها. غير ذلك، لا جديد سوى الشائعات.
الواقع يُشير إلى أن لا إمكانية لتغيير المعادلة الأمنية الموجودة. ربما يحصل اشتباك في هذا المحور المشتعل من العام 2007. هذا أمر تعودت عليه المدينة. تأجيل الانتخابات النيابيّة يحتاج إلى مبررات كهذه. لكن العناصر الأساسيّة في الشارع الإسلامي لا تُريد المعركة. السلفيّون نموذجاً، وهم الأكثر قدرة على خوض معركة كبيرة. باقي المجموعات المرتبطة بمختلف مكونات المدينة السياسيّة كنجيب ميقاتي وتيار المستقبل وآل كرامي، وغيرها المرتبطة بـ”حزب الله”، قادرة على إشعال اشتباك، وليس خوض معركة كبيرة، يقول أحد المعنيين بأمن المدينة، ويُضيف أمني آخر: الاشتباك يبدأ بعد توزيع الذخيرة. لا يحتاج إلى أكثر من ذخيرة، وهذه توزّع بشكل يومي خلال الاشتباكات لتبقى المعركة مضبوطة سياسياً.
ربما يحصل هذا الاشتباك الذي يتحدث عنه الجميع في طرابلس، من دون تحديد موعد دقيق له. إنها جزء من سياسة البلد. الأسباب التي أدت إلى الاشتباكات السابقة لا تزال قائمة. لم يقم أحد بتغيير الواقع إلى نحو إيجابي.
في هذا الوقت، يلفت بعض الطرابلسيين النظر إلى أن الخوف الأساسي هو من عودة ظاهرة داعي الإسلام الشهال. المال عاد إلى يدي الرجل. نموذج أحمد الأسير يُثيره. سيزور الشهال بيروت في الساعات المقبلة، ليُدافع عن المدينة. الطريق الجديدة ستكون محطته. يتهم كثيرون في طرابلس الشهال ومن يُشابهه كعمر بكري وبلال دقماق، بأنهم يرمون الشباب في التهلكة دوماً، ويخرجون هم “كالشعرة من العجين”. عدا ذلك، ستبقى طرابلس كما هي، مدينة فقيرة ومهمّشة، تُستعمل كساحة اشتباك وتبادل رسائل.
سيناريوهات كثيرة يتداولها سياسيون وغيرهم، عن تفجير أمني أو أحداث أمنية ترمي الانتخابات النيابية بعيداً، ليبقى السؤال: هل تدفع طرابلس فاتورة تأجيل الانتخابات النيابية من جلد أبنائها؟
* نشر في جريدة المدن الإلكترونية.