السلفيون في أزمة: النجدة!

لا تخلو جلسة مع السلفيين هذه الأيام إلّا ويُعبّر فيها هؤلاء عن تخوّفهم مما يُحضَّر لهم. ترتسم أمامهم صورة غير ورديّة. يرون أنهم باتوا بلا حليف حقيقي. أقرب الناس لهم، افتراضياً، خذلوهم. ترتسم على وجه شيخ سلفي ذي حضور بارز في الساحة حالياً، تعابير يأس: “نُحاول تجاوز كلّ مطب يُفرض علينا، لكننا حينما يُشيّدون سداً في وجهنا، لن نذهب إلى الموت طائعين. سندافع عن أنفسنا حتى آخر رمق”.

لا يُريد السلفيّون الصدام مع أحد. هذا ما يُعلنونه على الأقل، وما ينعكس في بعض ممارساتهم على الأرض. يقول الشيخ السلفي نفسه: “يتهموننا بأننا نُريد تحويل المسيحيين إلى أهل ذمّة، نحن نقبل بأن نكون أهل ذمّة. أعطونا الحقوق التي ينالها غير المسلم في الدولة الاسلاميّة”. ويُضيف بأن الإسلاميين في لبنان مقتنعون بأن البلد لا يصلح لأن يكون دولة خلافة. برأيهم لا يملك المقومات، لذلك يُريدون العيش مع مكونات المجتمع انطلاقاً من مبدأ الحقوق والواجبات.

يطول النقاش مع السلفيين حول واقعهم الحالي. يُعطي أحدهم مثالاً لما يُحضّر لهم: “قال الشيخ عمر بكري في حديث صحافي عن أن طرابلس هي المدينة القادرة أن تكون مقراً لجبهة النصرة”. رفض السلفيون في ما بينهم هذا الكلام، ودارت معارك كلاميّة حول الأمر، لكن اللافت كان مسارعة وزير الداخليّة مروان شربل إلى تأكيد هذا الأمر والقول في حديث تلفزيوني إن هناك حالة خطرة يجب أن تُستأصل من المدينة”. يقصد شربل السلفيين بالحالة الخطرة والمتشددة. اللافت هنا، أن الجميع يُدرك أن بكري ليس صاحب تمثيل شعبي كبير، لكن يتم أخذ كلامه كمسلّمات.

يُضيف شيخ آخر مثالاً ثانياً: قامت الدنيا ولم تقعد بعد رفع لافتات موقعة بإسم الامارة الاسلاميّة في طرابلس. اتهم حسام الصباغ بالأمر. اتهام، يترافق مع سلسلة من الاتهامات التي تُكال للرجل، من أنه أمير تنظيم القاعدة في لبنان، أو أنه يتولّى إدخال المسلحين والسلاح إلى سوريا. لم يكن الصباغ هو من رفع اللافتات، لكنه كان من أزالها، من الشارع بعد ساعات على رفعها. معظم وسائل الاعلام لم ترَ ذلك، وأصرّت على اتهامه برفعها. ثم تأتي القنابل التي تُرمى بشكلٍ يومي في أنحاء طرابلس مع التركيز على منطقة أبي سمراء، من دون أن تستطيع القوى الأمنية معرفة الفاعل.

هكذا، يشعر السلفيّون بأن هناك اتفاقاً ضدهم. الإعلام يستهدفهم، كما يقولون. من النادر أن يجدوا وسيلة إعلام تسمع لهم، أو تنقل ما يقولونه ويفعلونه كما هو. يُضاف إلى هذا الواقع، أن بعض وسائل الإعلام تختار شخصيات سلفيّة متشددة، لكنها غير ممثلة، لتتحدّث بإسم السلفيين. بلال دقماق نموذج حي.

سياسياً، يشعر السلفيّون بأن تيّار المستقبل ورئيسه سعد الحريري لا يُمانعان باستخدامهم والتخلّي عنهم في أي لحظة. لمسوا من خطاب الحريري الأخير في البيال في ذكرى 14 شباط، إشارات واضحة لهذا الأمر. الرئيس نجيب ميقاتي، ليس حليفاً لهم. دافعوا عنه يوم استهدف بعد اغتيال اللواء وسام الحسن، لكنه خرج بعدها ليقول: “منعنا إقامة الإمارة الإسلاميّة في طرابلس”. لا يعرف هؤلاء من كان يُريد إقامة إمارة كهذه، لكنهم يعرفون أنهم كانوا المقصودين بالاتهام.

يشعر السلفيّون بأن حبل المشنقة بدأ يلتف حول رقابهم. هم يُريدون الانفتاح. يبحثون عن شخصيات يستطيعون التواصل معها وبناء اتفاقيات وتفاهمات. موقفهم من الشيعة ليس سلبياً. يُسمع منهم إشادة بشخصيات شيعيّة. بعضم يرى “حزب الله” قريباً فكرياً لهم، لكنهم لا يستطيعون أن يغفروا له دوره في سوريا.

تدور في اذهان السلفيين في طرابلس أفكار كثيرة لم تنضج بعد. خلاصة هذه الأفكار، الرغبة في التواصل مع مختلف الناس، والخروج من فكرة أنهم محصورون في طرابلس، والانطلاق صوب العمل السياسي، تحت عنوان تنمية مناطقهم. ينظرون إلى طرابلس والمنية والضنية وعكار، ويشعرون بالتمييز من قبل الدولة اللبنانيّة، “لكن عندما زرت عرسال شعرت بأن طرابلس في أفضل حال” يقول أحد رجال الدين السلفيين في إشارة إلى غياب الانماء بالكامل عن عرسال. يُحملون المسؤولية الأولى لهذا الأمر لمن هم نظرياً ممثلين لهذه المناطق.

الأحد يعتصم السلفيون في بيروت رافعين عنواناً واحداً، هو “الموقوفون الإسلاميون”. يقول بعض السلفيين، أن حلاً قضائياً عادلاً لهذا الملف، يُمكن أن يكون مدخلاً لمصالحة هذه الحالة مع الدولة اللبنانيّة. أمّا قرار الاستئصال فلا بد أن يُعيد إلى الأذهان معارك التوحيد في ثمانينات القرن الماضي، وهي معارك لم تُشفَ منها طرابلس حتى اللحظة.

* نشر في جريدة المدن الإلكترونية

تيار المستقبل: الرهان الخاطئ مجدداً

قبل انعقاد جلسة اللجان المشتركة، الثلاثاء الماضي، بساعات، كان فريق الرابع عشر من آذار مقتنعا بأن هذه اللجان لن تصوّت على مشروع القانون الأرثوذكسي، إذ أبلغ النائب جورج عدوان الرئيس فؤاد السنيورة، بأن الرئيس نبيه بري لن يسمح بإقرار هذا القانون. اقتنع المستقبليّون بهذا الأمر، ليُصدموا بعد ساعات بأن جفن بري لم يرف عند إقرار القانون.

حالياً، يراهن تيار “المستقبل”، على أنَّ بري لن يسمح بإقرار القانون الأرثوذكسي. اقتنع بكلام النائب وليد جنبلاط، بالرغم من أن الأخير لا يأخذ هذا الامر على محمل جدي. تسأل المعنيين في”تيّار المستقبل” عمّا يقومون به، تسمع جواباً من قبيل: لن يصل الأمر بفريق الثامن من آذار إلى إقرار القانون في مجلس النواب. يقول هؤلاء إن طائفتين ضدّ هذا المشروع، فكيف يُقرّ؟، ويُضيفون أن التيّار لن يخوض المعركة تحت عنوان عزل طائفة “لأننا تيّار مدني كما قال الرئيس سعد الحريري في آخر خطابين له”.

وبالرغم من كلام بري لجهة عدم نيته دعوة مجلس للنواب للانعقاد من دون توافق وطني، فإن هناك في فريق الرافضين للقانون الأرثوذكسي من هو غير مقتنع تماماً بقدرة بري على مواجهة رغبة”حزب الله” إذا ما أصرّ الأخير على عقد الجلسة. أصحاب هذه النظرية، يعتقدون أن بري لم يكن يُريد للجان المشتركة أن تُقرّ أي قانون من دون توافق.

من هذا المنطلق، يقوم المستقبليّون اليوم بالتحضير لمشروع قانون جديد على أساس المختلط بين الأكثري والنسبي، ويُقسّم لبنان إلى تسع دوائر على أساس النسبيّة، بحيث يجمع قضائي الشوف وعاليه إرضاءً لجنبلاط، والمتن وبعبدا دائرة واحدة إرضاءً للمسيحيين، على أن يتم تقسيم دوائر الأكثري إلى دوائر أصغر من القضاء. كما يريد المستقبليون جمع زحلة والبقاع الغربي لضمان نوابهم. يسعى المستقبل الى التوصل لصيغة ترضي جنبلاط والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وبالطبع، تُرضيهم هم.

وعليه، يتعاون “المستقبل” ممثلا بالوزير السابق محمد شطح مع هشام ناصر الدين ممثلا لجنبلاط وخليل الهراوي ممثلا لرئيس الجمهورية وجورج عدوان عن القوات ونقولا نحاس ممثلا رئيس الحكومة مع الرئيس بري، لإنجاز طبخة مقبولة، لكنها “طبخة بحص” حتى اللحظة كما يقول احد المقربين من رئيس الجمهورية، الذي يشير الى أن التوافق هو على المختلط وليس على أبياته التنفيذية، لافتاً الى أن الاتفاق هو بقاء القضاء في الدائرة الأكثرية مع نقاش حول دوائر النسبية وتوزيع المقاعد فيها، مشيرا الى القبول بصيغة 60 نسبي و68 اكثري. لكنه يلفت الى أن النقاش مع الجنرال ميشال عون لم يبدأ بل هو محصور ببري الذي من المفترض أن يكون ممثلا لقوى الثامن من آذار.
لكن العاقلين في تيّار “المستقبل” غير مقتنعين بهذا الكلام. يرون أن العمل بهذه المشاريع، يبدو كالمثل القائل: “رايح إلى الحج والناس راجعة”. ويشير هؤلاء الى أن بري قد فهم لعبة المستقبل ولذلك بدأ برفع سقف مطالبه.

ماذا إذا أُقرّ القانون “الأرثوذكسي” في الهيئة العامّة في مجلس النواب؟ ما الذي يُمكن أن يقوم به “تيّار المستقبل”؟ لا يملك هؤلاء أجوبة على هذه الأسئلة. بعض من في التيّار، يُراهن على أن رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان سيُعيد القانون المقرّ إلى مجلس النواب، وإعادة إقراره يحتاج إلى ثلثي مجلس النواب. لكن هذا خطأ. إذ عند مراجعة الدستور اللبناني، يتبيّن أن إعادة إقرار أي قانون يرفضه رئيس الجمهوريّة لا يحتاج إلّا إلى الأكثريّة المطلقة، وهو أمر متوفرّ في مجلس النواب.

اللافت أن صاحب نظرية إعادة إقرار القانون تحتاج إلى الثلثين،هو مرجع رفيع في تيّار المستقبل! لكن التيّار لا يُنسّق مع رئيسي الجمهورية والحكومة لتقديم طعن إلى المجلس الدستوري كونهما يملكان الحق بذلك.

في المقابل، فإن جنبلاط الذي أعلن أن بري لن يسمح بإقرار القانون في مجلس النواب، يُراهن على أن سليمان سيُقدّم طعناً للمجلس الدستوري. وقبول المجلس الدستوري لهذا الطعن، يعني أن القانون الوحيد الذي لا يزال ساري المفعول هو قانون الستين. وبحسب زوار جنبلاط، لن يكون هناك عذر لعدم إجراء الانتخابات استناداً إلى قانون الستين إلا إذا كان هناك من لا يُريد إجراء هذه الانتخابات.

وينقل زوار جنبلاط عنه، أن ما يُراد تحقيقه من القانون الارثوذكسي قد تحقّق مع إقرار القانون في اللجان المشتركة، وهو شق صفوف قوى الرابع عشر من آذار، كما إدخال لبنان أكثر في دوامة الصراع السني ــ الشيعي. وهو الأمر الذي يترافق مع التورط اللبناني أكثر في سوريا، وبشكلٍ علني.

على الضفة الأخرى، يُشير سياسيّون في فريق الثامن من آذار، أن”حزب الله” لا يُريد القانون “الأرثوذكسي”، لكنّه لا يُمانع في إقراره. ويلفت هؤلاء إلى أن “حزب الله” وافق دعماً لحليفه المسيحي. المهم في كلام قوى الثامن من آذار، هو الإشارة إلى أن الانتخابات باتت في حكم المؤجلة.

* نشر في جريدة المدن الإلكترونية

المفاوضات على الإنتخابات: مواويل كثيرة

مكانك راوح. هذا هو التوصيف الأدق للنقاش الانتخابي. لم تحصل أي اجتماعات الثلاث، بانتظار ما سيسفر عنه الإجتماع ليلاً علّه يحمل بعض الخروقات؛ عندما يلتقي الوزير السابق خليل الهراوي (ممثلاً رئيس الجمهورية) والوزير نقولا نحاس (ممثلاً رئيس الحكومة) مع ممثلي الحزب التقدمي الاشتراكي من جهة، وممثلي القوات اللبنانية من جهة أخرى في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.

العمل يجري إذاً على حلّ عقبة “الاشتراكي” ــ “القوات”، بالرغم من أنها ليست العقبة الأساسيّة، بل العقبة هي بحسب فريق رئيس الجمهورية بين “تيّار المستقبل” والرئيس نبيه بري. تبدأ المشكلة كما بات معروفاً بالنسب بين الأكثري والنسبي في قانون الانتخاب، ولا تنتهي بتقسيمات الدوائر استناداً إلى القانون الأكثري، وتوزيع النواب بين أكثري ونسبي.

ويُشير أحد المعنيين بهذه المفاوضات أن الأمور التقنية، قد تكون أكثر صعوبة، وهي قد تفجّر أي قانون انتخابي مفترض. يتحدث الرجل عن آلية فرز الأصوات وعن الحد الأدنى المقبول للوائح في النسبية وغيرها من العناوين.

هذا الكلام يأتي من قبيل الإشارة إلى أن الاختلاف هو سياسي وليس تقنياً. حتى اللحظة لا يبدو أن هناك نيّة عند أي من الأطراف للوصول إلى تسوية سياسيّة مقبولة. فمن المسلّمات، بحسب العاملين على خطّ التفاوض، أن أي فريق لن يقبل بقانون يجعل منه خاسراً. لا أحد يذهب للشنق بإرادته. وهنا جوهر الأزمة، يشعر “تيّار المستقبل” بأن هناك من يُريد ذبحه.

جانب آخر من المشكلة، هو أن أي لعب في التوازن السياسي سيؤدي إلى مشكلة أمنية في البلد. وفي السنتين الماضيتين، تبيّن أن الكتلة الوسطيّة المؤلفة من النائب وليد جنبلاط والرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي، استطاعت تجنيب البلد الانزلاق إلى مستنقعات الدم؛ والكلام هنا دائماً بحسب أعضاء في لجنة التواصل هذه. يُشير أحد أعضاء اللجنة إلى أن أي قانون يمنع هذه الكتلة الوسطية من امتصاص حجم الانقسام السني ــ الشيعي، سيكون خطيراً على البلاد، من دون إعطاء تقييم إيجابي لحكومة ميقاتي التي فشلت في إدارة حياة الناس.

في التفاصيل المتبادلة حالياً، يبدو أن الحزب التقدمي الاشتراكي يقترب للقبول بالتقسيمات التي وضعتها الحكومة اللبنانية في مشروعها، أي 13 دائرة. كما يعتقد الاشتراكيون أن هذا الحلّ الأفضل لدوائر الأكثرية أيضاً. فيما تجنح القوات اللبنانية إلى دوائر أكثر صغراً في الجانب الأكثري. ولا يزال “التقدمي” مقتنعاً بالتقسيم الذي طرحه النائب أكرم شهيب بإسمه، أي ثلاثين في المئة على أساس النسبية، وسبعين في المئة على أساس الأكثري، وتُشير مصادر إلى أن الكلام عن 50 نائباً على أساس النسبية و68 على أساس الأكثري هو كمن يُفاوض في سوق الخضار.

أمّا “تيّار المستقبل”، فإنه يتخوّف من اعتماد القضاء كدائرة، بحيث يتم فصل البقاع الغربي عن راشيا، لذلك تطرح مصادره تسوية بين هذه الدائرة ودائرة مرجعيون حاصبيا. لكنه يبدو أكثر مرونة في موضوع النسب لجهة التوزيع بين الأكثري والنسبي.

من جهة رئيس الجمهورية، تقول مصادره إنه متمسك بمشروع الحكومة، وبرفضه لقانوني الستين والأرثوذكسي. لذلك، فإن ما يقوم به، هو تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف، في سبيل إقرار قانون جديد متوافق عليه في الوقت اللازم لذلك. وتشير هذه المصادر إلى أن سليمان، لا يُحبّذ فكرة القانون المختلط لكنه سيقبل بها إن كانت حلاً للمعضلة التي يعيشها البلد.

باختصار، وبالرغم من كل الاجتماعات المراثونية التي تحصل سراً وعلانية، ومحاولات تذليل العقبات هنا وهناك، يحاول كل فريق أن يكسب نقطة على حساب آخر، وكل حزب يريد تفصيل القانون المناسب لحجمه ولمستقبله.

* نشر في جريدة المدن الإلكترونية

الأمنيون عاجزون!

تُصرّ الدولة اللبنانية على دفن رأسها في الرمال.
هذا التشبيه هو الأصلح لوصف تعاطي الدولة بمختلف مؤسساتها مع تداعيات الثورة السوريّة على لبنان. لا يقتصر الأمر على موضوع النازحين السوريين. يتعداه إلى التعاطي مع الأطراف اللبنانيّة التي باتت تُعلن مشاركتها العسكريّة في سوريا، إن إلى جانب النظام أو إلى جانب المعارضة. كذلك هو الأمر بالنسبة إلى المواضيع السياسيّة والأمنية والدبلوماسيّة.

مثلاً، تُصر المديريّة العامّة للشؤون السياسيّة واللاجئين في وزارة الداخليّة على أن يُصدّق النازحون الفلسطينيون من سوريا أوراقهم من السفارة اللبنانيّة في دمشق؛ رغم أن النازحين الفلسطينيين يقولون إن أبواب السفارة مقفلة في أغلب الأحيان. حتى لو كانت هذه الأبواب مفتوحة، فإن التنقل ليس بالأمر السهل، تحديداً لمن نزح إلى لبنان.

على أي حال، فإن دفن الرأس في الرمال، هو السمة السائدة في الاجتماعات التي تعقدها اللجان المختصة التعاطي مع ملف النازحين. حتى اللحظة، لم يشعر المعنيّون بضرورة إنشاء مخيّمات، رغم الفائدة القصوى لهذه المخيمات على الصعيد الانساني والأمني والسياسي.

لهذه الاسباب، اتفق المسؤولين الأمنيين اللبنانيين على موقف واحد في الاجتماع الأخير الذي عُقد في قصر بعبدا برئاسة ميشال سليمان لبحث موضوع النازحين السوريين. وقد أجمع قائد الجيش العماد جان قهوجي، ومدير عام قوى الأمن اللواء أشرف ريفي، ومدير عام الأمن العام عباس ابراهيم على التوصيف ذاته للوضع وهو على الشكل التالي: يتزايد الانفلات الأمني في البلد في شكلّ كبير. ارتفعت نسبة السرقات والخطف إلى أرقام قياسيّة. معدّل سرقة السيارات في لبنان كان بمعدل سيارتين في اليوم، ارتفع تدريجياً ليصل إلى 15 سيارة يومياً.

منذ أسابيع أوقفت قوى الأمن عصابة اعترفت بسرقة أكثر من 60 سيارة رباعية الدفع وبيعها في سوريا للاستعمال العسكري. الخطف ازداد كثيراً، وبات للخاطفين أماكن آمنة يلجأون إليها. البؤر الأمنيّة غير المنضبطة تنتشر من الجنوب إلى الشمال. السلاح الفردي ينتشر بشكل واسع جداً، وصار استعماله سهلاً للمواطنين اللبنانيين. توسّعت ظاهرة التوسّل بشكل خطير. ضغط كبير على البناء المخالف خصوصاً في المناطق المحاذية لسوريا، لاستيعاب عدد النازحين المحتاجين إلى إيواء.

والأخطر، يُشارك طرفان لبنانيان في الأعمال العسكرية في سوريا، أحد هذين الطرفين منظّم جداً، والآخر معروف لكنه غير منظّم ولا موحّد. الاحتقان السني ــ الشيعي في أعلى مستوياته، وأي مشكلة صغيرة قد تتطور بشكل غير متوقّع. ما جرى في عرسال نموذج لما يُنتجه هذا الاحقان. خط الحدود بين لبنان وسوريا هو خط وهمي. لا يفصل البلدين حاجز طبيعي، مثل بحر أو بحيرة أو جبل أو وادٍ. وهذا يعني أن القتال الدائر في سوريا، يُمكن أن ينتقل بسهولة عبر الحدود، وتختفي هذه الحدود الوهميّة، خصوصاً بين الأطراف اللبنانيّة المشاركة في القتال.

بعد هذا التوصيف، يُجمع الأمنيّون على أن استيعاب الوضع والسيطرة على تداعياته يحتاجان إلى قرار سياسي في البداية، قبل أي عملٍ أمني، إلى جانب دعم أكبر للقوى الأمنية والعسكرية. وهذا العمل السياسي هو بين القوى الأساسيّة في البلد، خصوصاً بين حزب الله وتيار المستقبل، كونهما الممثلين الأكبر للطائفتين السنيّة والشيعيّة.

ردّ رئيس الجمهوريّة بأنه دعا إلى طاولة الحوار، لكن قوى أساسيّة رفضت المشاركة فيها، تحديداً قوى الرابع عشر من آذار. ردّ الأمنيون بأن الحوار لا يجب أن يحصل بالضرورة حول طاولة. يُمكن هذا الحوار أن يكون ثنائياً، أو ثلاثياً، أو حتى بالواسطة. وهناك مثل على هذا هو الحوار الذي حصل بين الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، ولم يُعلن شيء منه إلا بعد الوصول إلى نتائج إيجابيّة، وهو ما تُرجم برسائل الغزل بين الرجلين.

يُجمع الأمنيون في لبنان، بأن الأمور قد تخرج عن السيطرة في أي لحظة. إعلان حزب الله شبه الرسمي عن المشاركة في الأعمال العسكرية يزيد التوتر المذهبي. كمّ المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعية الموجودة أصلاً في لبنان بحد ذاته يحتاج إلى غرفة عمليات، فكيف إذا أضفنا إليه تداعيات الثورة السورية. هي تداعيات لم تعد سياسيّة فقط أو افتراضية، بل أصبحت واقعاً علينا التعاطي معه بهدوء، وإلا تنتظرنا أيّام سوداء كأيام العراق، وعلى حدّ قول أحد الأمنيين، فإن لبنان لا يحتمل تفجيرين أو ثلاثة من تلك التي تقع في العراق. انتهى الاجتماع إلى ترك الامر لميشال سليمان للتصرف.

ويبدو أن من يُفترض أن يلعب دور العازل بين الفتيلين القابلين للاشتعال، لا يقوم بدوره، بل إنه يزيد من الاحتقان، والمعني هنا الاحزاب المسيحيّة من جهة، وشبه اضمحلال اليسار، وارتهان ما تبقى من هيكلياته التنظيميّة. أما وليد جنبلاط، فقدرته على الامتصاص قابلة للنفاد.

* نشر في جريدة المدن الإلكترونية
http://almodon.com/Politics/Articles/الامنيون-عاجزون!

من يُشيطن الحالة الإسلامية؟

لم يُحدد بيان السفارة الأميركيّة عن أي أخطار تحدّثت السفيرة الأميركيّة مورا كونيللي مع قائد الجيش العماد جان قهوجي حين زارته قبل أيام. لكن البيان أبدى تخوفاً على استقرار لبنان ودعم الجيش حمايةً لهذا الاستقرار. لا يحتاج الأمر إلى الكثير من الفطنة لربط ما يجري في عرسال بزيارة السفيرة الأميركيّة. المعلومات المتداولة في بيروت بين الدبلوماسيين الغربيين والأمنيين اللبنانيين تشير إلى هذا السياق.

الخطر برأي الغرب هو الحالة الإسلاميّة الصاعدة في لبنان مع استمرار الثورة السورية. التسوية في سوريا يجب أن تنعكس في لبنان. يقول دبلوماسيّون غربيّون إن ضبط الحالة الإسلاميّة في لبنان (وهي ما يُصطلح على تسميتها بالحالة السلفيّة) هو أحد طرق ضبط هذه الحالة في سوريا. يعتبرون أن لبنان هو أيضا، أحد طرق دعم الحالة الإسلامية في سوريا، كما يتخوّفون من انتقال بعض الاسلاميين من سوريا إلى لبنان.

الكلام الغربي، ليس في الضرورة صائباً. أحد الأمثلة على عدم صوابية هذا الكلام، يأتي على لسان أحد الأمنيين الرفيعين في لبنان، وهو ممن على علاقة طيبة بالنظام في سوريا. ينقل بعض زوّار هذا الأمني كلاماً إيجابياً عن أحد رموز الحالة السلفيّة في طرابلس. ويُضيف: كل التقارير الواردة من الشمال تُشير إلى أن هذا الرجل (وهو متهم بأنه أحد أمراء القاعدة في لبنان) يلعب دوراً إيجابياً في ضبط الشارع ومنع الأمور من الانزلاق إلى منزلقات خطيرة.

في المقابل، فإن كلّ التقارير الغربية تطلب رأس هذا القيادي. والتقارير ليست حكراً على بلدان كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، هناك استراليا أيضاً، التي تُراقب عن كثب الحالة الإسلامية في شمال لبنان، كون تركّز هجرة الإسلاميين من ابناء طرابلس بعد ضرب حركة التوحيد كان إلى استراليا.

يقول أحد السياسيين اللبنانيين، ممن يُتابعون مسار الحالة الإسلامية، ان ما جرى في عرسال ليس تفصيلاً. لا أحد يملك جواباً حاسماً ونهائياً عمّا حصل. لا يُنكر الرجل أن أبناء عرسال وقعوا في أخطاء كبيرة. لكنّه يسأل عن توقيت العمليّة، وعن عدم إجراء استطلاع ميداني قبل إرسال مجموعة من نخبة القوة الضاربة في استخبارات الجيش إلى عملية، يتبيّن لاحقاً أن طريق الخروج بعد اتمامها مغلقةً بالثلوج.

منذ اللحظة التي تلت حادثة عرسال، تبيّن أن هناك شيئاً ما يُحضّر. خرجت مجموعة من وسائل الإعلام، التي تعمل يومياً على “شيطنة الحالة الإسلاميّة”، لتقول إن الجثث شوّهت وسُحلت وغيرها من الأعمال العنفية. تأخّر الجيش في التوضيح على لسان مدير الاستخبارات إدمون فاضل. ثم أعلن قهوجي بوضوح وحسم: لم تشوّه جثث العسكريين.

برأي هذا السياسي أن ما جرى في عرسال هو جسّ نبض ردود فعل الحالة الإسلاميّة، وهي حالة غير منظمة. ساد المنطق لدى الإسلاميين فلم يتطوّر الأمر. لكن أمراً آخر حصل. تأخر البت بملف الموقوفين الاسلاميين مجدداً، وهو ملف كادت أن تبدأ حلحلته. هو أمر كفيل بتهدئة الإسلاميين وترجيح كفة العقلاء فيهم لجهة أن الأمور تُحلّ بالهدوء والسياسة. لم تكن حادثة عرسال الحادثة الأولى التي تؤخّر حلحلة هذا الملف، سبق للشيخ أحمد الأسير أن قام بالامر عينه، حتى لو انطلقنا من حسن النية، بأنه لم يكن يعلم ما يفعل.

لكن هذا السياسي متشائم. هو يعتبر أن السكين بدأ يُشحذ لذبح الإسلاميين مجدداً، وهناك من يُكبّر حجم الإسلاميين إعلامياً. في المقابل، يقول أحد الأمنيين الرفيعين، أن حجم الإسلاميين لا يتجاوز 3,7٪ من القوى الناخبة في طرابلس. قدّم هذا الأمني نصائح للإسلاميين بضرورة الهدوء والتخفيف من ظهور السلاح علناً، كذلك من حدة الخطاب السياسي. لا يُنكر هذا الأمني وجود رغبة عند البعض بضرب الحالة الإسلامية مجدداً، لكنه يعتقد بإمكانية تجنّب ذلك، لذلك هو يُقدّم النصائح للإسلاميين ويسعى لسحب فتيل، سيكون لانفجاره أثر سلبياً على البلد. من جهته، فتح قائد الجيش قناة اتصال مع الإسلاميين، وهي قناة قد تكون كفيلة بتخفيف التوتر.

لكن البلد على شفير استحقاقات عدّة، من قانون الانتخاب إلى تكليف رئيس حكومة وانتخاب رئيس جمهورية وتعيين قائد للجيش ومدير عام للقوى الأمنية. كلّها مؤشرات، تقول بأن هناك من سيكون كبش محرقة. الإسلاميون بدأوا يعون ذلك. اللاعبان الأساسيان إلى جانب الإسلاميين في هذا الملف، هما الرئيسان نجيب ميقاتي وسعد الحريري. لديهما ما يكفي من الأدوار للعبها. المهم في الأمر هو طريقة لعب كل منهما في هذا الملف.

العلاقة بين ميقاتي وعون: زفت وزفت

لو افترضنا أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ورئيس أكبر تكتل وزاري في الحكومة، النائب ميشال عون، قررا تبادل الهدايا في عيد الحب، لكانت الهدية على شكل هجوم سياسي حاد. يختصر أحد العونيين العلاقة بين الجانبين بكلمات واضحة: نحن نهاجمه لنرفع مستوى شعبيتنا مسيحياً وهو يُهاجمنا ليرفع مستوى شعبيته سنياً. الكلمات صادقة، لكنها قاسية، إذا ما وضعناها في سياق آخر، وهو أن الطرفين جزء من حكومة تُدير البلاد، ويُفترض أنها تهتم بشؤون ناسه.

في الظاهر، خرجت في الأيّام الماضية قصّة داتا الاتصالات إلى العلن مجدداً. الاشتباك هذه المرّة، بين ميقاتي وعون. نقطة الاشتباك، في وزارة سعى ميقاتي من البداية عبر تسمية صديقه نقولا صحناوي وزيراً لها، إلى ضبط خلافه مع عون فيها. إذ بات معروفاً أن عون كان يرغب في تولي الوزير غابي ليون وزارة الاتصالات، لكن رئيس الحكومة فاجأه بصحناوي، وهو ما لم يستطع عون رفضه.

في موضوع الداتا، لا يرى العونيّون قيمة لما جاءت به البعثة التي زارت فرنسا. برأيهم القانون هو الحكم. يمسك نواب التيار ملفاً يضم القانون المتعلق بالتنصت، ليؤكّدوا صوابية موقفهم. وُزّع هذا الملف عليهم في الرابية يوم الثلثاء الماضي. توزيعه يُشير إلى الرغبة العونيّة في عدم السكوت. يقول العونيّون إن وزيرهم لن يُخالف القانون حتى لو طلب منه رئيس الحكومة ذلك.

في المقابل، يقول مقرّبون من ميقاتي إن الأمر بالنسبة لرئيس الحكومة ليس تفصيلاً: إنها صلاحية موقع رئاسة الحكومة. حينما يصل أي طلب من وزيري الداخليّة أو الدفاع سيحوّله ميقاتي “شخصياً” كما ينص القانون، وما على وزير الاتصالات إلا التنفيذ. الطرفان يتمسّكان بالقانون، هذا ما يقولانه. إنها مشكلة تفسير القانون. ولن يُعرف الفائز فيها قبل إحالة رئيس الحكومة لطلبات الداتا إلى صحناوي.

لا يخفي مقربون من ميقاتي أن يكون عون يستعمل تكتيته الدائم: الهجوم على أمر ما للحصول على أمر آخر. هناك ما يشي بهذا الأمر. في جلسة الحكومة الأخيرة، والتي كانت أكثر من هادئة، ولم يُثر موضوع الداتا، كما فُتحت طاقة ولو صغيرة في موضوع تشكيل اللجنة المشرفة على الانتخابات، أبلغ الوزراء العونيين تعيين الاستشاري في مشروع تنفيذ نفق جلّ ديب الديب مكان الجسر الذي تم هدمه. وهو أمر طالبوا فيه منذ مدّة. هنا بيت القصيد.

عندما يُسأل هؤلاء عن العلاقة المتوترة مع ميقاتي، يجيبون بسرعة: يضع ميقاتي سلسلة الرتب والرواتب على الرف قائلاً أنه يبحث عن مصادر تمويل، كما أنه منع التعيينات والتشكيلات العسكرية. لا يقبل العونيّون تحمّل أي مسؤولية في مجال التعيينات. يكررون ما قالوه سابقاً بأن الحصّة المسيحيّة لهم وحدهم، ويرفضون بأن يأخذ رئيس الجمهوريّة أيّاً منها، إن لم يأخذ ما يوازيها من الطوائف الأخرى، أو “فليأخذ ميشال سليمان على قدر حجمه التمثيلي”. وبرأي العونيين فإن ميقاتي يقوم بهذا الأمر بالتكافل والتضامن مع النائب وليد جنبلاط ورئيس الجمهوريّة.

ثم يأتي الجانب الأهم في مطالب العونيين من ميقاتي: الخدمات المباشرة. فإذا كانت التعيينات خدمات غير مباشرة، ولا تطال شرائح واسعة، فإنها تكفل وصول مؤيدين إلى مواقع إدارية يسمحون بتمرير الخدمات. وفي طليعة ما يحتاجه العونيون هو “الزفت”. لا يُمكن أن تلتقي بأحدهم إلا وتسمع شكواه من وزارة الأشغال ومجلس الانماء والإعمار.

في المقابل، يقول المقربون من ميقاتي إن المشكلة مع عون هي عدم قدرة التواصل بمنطق. ورغبة العونيين في الاستحواذ على كلّ شيء وتحويل رئيس الحكومة إلى مجرد موظف في الرابية، واستعماله في وجه رئيس الجمهورية.

ويُشير هؤلاء إلى أن العديد من قوى الثامن من آذار يشتكي من امتناع الوزراء العونيين عن تقديم الخدمات لمن يطلبها، أمّا في ما يخص وزارة الاشغال، يُشير المقربون من ميقاتي إلى أن طرابلس تحتاج إلى “الزفت”، والسبب هو أن عدم وجود اعتمادات في وزارة الأشغال، ورفض وزير المال محمد الصفدي تحويل اعتمادات إضافية لوزارة الاشغال. أمّا في ما يخصّ التعيينات، فإن موقف ميقاتي لا يزال على حاله وهو عدم القبول بكسر رئيس الحمهوريّة.

الخلاف بين ميقاتي وعون بدأ قبل تشكيل حكومة ميقاتي، وهو حكماً لن ينتهي قريباً، رغم أن كل المؤشرات لا تدل على أن الخلاف سياسي، بل إنه يتعلّق بوزارة هنا، وصلاحية هناك، وبعض “الزفت الانتخابي” هنالك.

* نشر في جريدة المدن الإلكترونية

ميقاتي الذي أعطاه الله

“لربك في عباده شؤون وشجون. يُعطي من يشاء ويحرم من يشاء”. الرئيس نجيب ميقاتي مثلاً: أعطاه الصحة، والعائلة السعيدة والطول الفارع.. والثروة الكبيرة، وطه الشقيق المحنك في كل شيء وهو الذي كتفه إلى كتف شقيقه مجازاً بالطبع. وفي السياسة، أعطى الله ميقاتي خصوماً يُعتمد عليهم وحلفاء يُعتمد عليهم أيضاً. أعطاه الجنرال ميشال عون.

كلما ضعفت شعبية نجيب ميقاتي، أعطاه الخصوم حقنة منشطات. هل من يذكر أن هناك اعتصاماً مُقابل منزله في طرابلس؟ لا تزال الخيم على حالها، وحيدة في معرض رشيد كرامي الدولي. هذه الخيم نُصبت بعد أيام من اغتيال اللواء وسام الحسن. كان لسان حال أهل طرابلس يلوم ميقاتي. اتهموا أطرافاً في حكومته بالاغتيال. لكنهم كانوا يُدركون جيداً أنه حمى وسام الحسن في عزّ الحملة عليه. وأي رئيس حكومة آخر كان قد يُقيله رضوخاً للضغوط العونيّة. برأيهم عمر كرامي كان ليقوم بهذا الأمر. لماذا إذاً اتهامه بالمسؤولية عن الدماء؟ فتح تيّار المستقبل أمام ميقاتي منفذاً ليخرج من الضغوط. لم تعد القصة قصة اغتيال الحسن، بل باتت قصة عزل ميقاتي.

بالعودة قليلاً إلى الوراء. تخلّى تيّار المستقبل عن دار الفتوى ومفتيها نهائياً، في اللحظة التي كان ميقاتي يحتاجه بها. وجد المفتي وميقاتي نفسيهما في خندق واحد. دافعا عن بعضهما بعضاً، بل إن المفتي حمى ميقاتي، الذي عاد ليتخلى عنه اليوم.

عرف ميقاتي من أين تؤكل الكتف. بنى علاقة مع النائب وليد جنبلاط، فوضعه الأخير في موقع القادر على التفاوض وفرض شروطه في النقاش الحكومي. أمّن له جنبلاط شبكة أمان في بيروت وخارجها. جعل من جلوسه في السرايا ممكناً وضرورياً.

لكن ميقاتي ليس محظوظاً فقط. هو عرف كيف يُمارس السياسة. أعطى الأمان للطبقة المالية التي تُدير البلد. الأدق، أنه تركها تُدير البلد على طريقتها. أمّن المخرج الفعلي لكل الممارسات الخاطئة لمرحلة الرئيس فؤاد السنيورة، إذ كما يقول شربل نحاس، فإن ميقاتي (الذي ثلث حكومته عونية) لم يرفع موازنة إلى مجلس النواب، بينما قدمها السنيورة متأخراً. عدم تقديم الموازنات هو تعبير عن عدم قدرته على إدارة الدولة. لم تنجز حكومته شيئاً في هذا المجال. الفراغ في الإدارة العامّة يزداد يوماً بعد آخر، وكل الكلام عن التعيينات الادارية يذهب هدراً في الهواء. يكاد الفراغ يصل إلى المؤسسات العسكرية، مع اعتراف فريقه بعدم القدرة على تعيين مسؤولين عسكريين. لكنه عرف كيف يُغازل اللواء أشرف ريفي، إلى حد أن بعض من في تيّار المستقبل بدأ يخشى من ريفي ومن تحالفه مع ميقاتي في وجه المستقبل ليحصدا سوياً مقاعد طرابلس وبعض مقاعد الشمال.

عرف ميقاتي كيف يتفاعل مع الزواج المدني. بطريقة حادة عبّر عن المزاج السني. استنسخ كلام المغدور رفيق الحريري. في المقابل، سعى الرئيس سعد الحريري لأن يكون مبادراً في اللحظة الانتخابية. تكرر الأمر في عرسال. حصل ما حصل. وقع الجيش والبلدة في فخ، الخطأ أو النية السيئة. ذهب ميقاتي إلى وزارة الدفاع، قال إنه يدعم الجيش، مخففاً من حدة الهجوم على عرسال. انتشر الامر في طرابلس على الشكل التالي: ميقاتي اصطدم بوزير الدفاع وبقائد الجيش ليحمي عرسال. وقبل هاتين الحادثتين، قدّم ميقاتي نفسه مدافعاً عن حقوق السنة في وجه “حزب الله”، فموّل المحكمة الدولية وخاض معارك تحت عنوان الدفاع عن موقع رئاسة الحكومة. لكنه فشل في الامتحان السوري، وهو فشل قد ينفجر في وجهه في أي لحظة.

في المحصّلة، يبدو أن واقع الأرض في طرابلس لصالح نجيب ميقاتي. الأرقام تشير إلى أن انتخابات حالية تُعطيه تفوقاً على المستقبل. حافظ ميقاتي على وتيرة مقبولة من “الرشوة” الانتخابية، (كل مساعدات القوى السياسيّة تُعد رشوة انتخابية) في وقت تراجعت قدرات المستقبل. عرف كيف يستفيد من وجوده في الدولة. استخدم الهيئة العليا للإغاثة جيداً، وهي من المؤسسات القليلة التي عيّن فيها مديراً مقرباً منه منذ الأشهر الأولى من وجوده في السراي. علم أن البلد في مرحلة استثنائية، لا حاجة لمؤسسات الدولة بل للهيئة العليا للاغاثة. لم يحصر عمله في طرابلس بل عمل في عكّار والضنية والمنية، معتمداً على عدد من الوجوه الشبابية الجديدة وبعض الوجوه القديمة التي تملك حيثية مقبولة. لكنه لم يستطع ضبط أمن طرابلس الذي تفلّت من عقاله.

لم يدخل ميقاتي النقاش حول قانون الانتخاب، إلّا بالرفض المطلق للقانون الارثوذكسي حين أيقن انه توفي، وأن الشارع السني يرفضه. قال كلاماً حاداً: إن هذا القانون يُعيد البلد إلى مرحلة ما قبل الطائف في كل تجلياتها. لم يُدافع عن مشروع حكومته، وهو الذي يُراهن أن المشروع الذي سيُقرّ هو المشروع المختلط، أي مشروع فؤاد بطرس مع بعض التعديلات (وهذا الكلام قبل تقديم مشروع الحكومة). الشق النسبي في القانون يُؤمّن لميقاتي كتلة برلمانية مقبولة. وحتى هذه لا يخوض ميقاتي معركتها، بل إن جنبلاط هو من يخوضها عنه. قانون الستين يسمح له بالعودة إلى البرلمان على رأس كتلة تضم أكثر من نائبين، إذا لم يستعرّ الخطاب المذهبي. ربما، هو مرتاح شعبياً الآن، لكن تجارب الدورتين الانتخابيتين السابقتين تُشير إلى قدرة المستقبل على تجاوز تراجعه في حال وجد عنواناً جذاباً. الثورة السورية حاضرة.

* نشر في جريدة المدن الإلكترونية

التمديد العسكري: قهوجي وريفي وسليمان

يتركز النقاش السياسي في الأسابيع الماضية حول قانون الانتخاب، لكن في الكواليس السياسية، يجري نقاش من نوع آخر: ما هي الحلول لتدارك الفراغ في المؤسستين الأمنيتين الأساسيتين في البلد؟ أي الجيش وقوى الأمن الداخلي.

بعد اغتيال اللواء وسام الحسن، عاد النقاش جدياً في دوائر “تيّار المستقبل” حول ضرورة التمديد لمدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. نقاش، تُقابله حملة جديّة للتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي. يتم تذليل العقبات، واحدة تلو الأخرى، إذ وافق النائب وليد جنبلاط، بعد أن كان يُمانع التمديد لقهوجي. التسوية أتت بأن يشمل التمديد لرئيس الأركان اللواء وليد سليمان.

هكذا، باتت الصورة على الشكل التالي: يتم العمل على إصدار قرار من مجلس النواب لتمديد ولاية قهوجي وريفي وسليمان. العقبة الأساسيّة المتبقيّة هي موقف النائب ميشال عون، الذي يطمح لإيصال أحد المقربين منه إلى موقع قيادة الجيش.

رفض عون، ليس لقهوجي علانية، بل إنه يأتي تحت غطاء رفض التمديد لريفي. اللافت، إرسال بعض المحيطين بقائد الجيش رسائل لريفي، للطلب منه رفض تمديد ولايته، لحلّ هذه العقبة وجعل الأمور أسهل لقهوجي!.

واقع الأمر مختلف، إذ إن موافقة “تيّار المستقبل” وحلفائه على التمديد لقهوجي ترتبط بالتمديد لريفي. لكن ما جرى في عرسال يجعل معارضة عون لقهوجي ضعيفة، خصوصاً مع اعتبار العونيين أن الجيش هو حصنهم الأخير وتكاتفهم حول قيادته.

لكن، ما الذي تغيّر وجعل ريفي يقبل التمديد، وهو الذي لطالما ردّد بأنه سيترك موقعه في المؤسسة الأمنيّة في آذار مطمئن البال، رافضاً كل الطروحات لتمديد ولايته؟

بحسب مصادر مقربة من قيادة “المستقبل”، فإن ريفي التقى بالرئيس سعد الحريري خلال زيارته إلى السعودية، في كانون الأول الماضي. الحريري قال له بوضوح إن الانجازات التي قامت بها قوى الأمن في عهده وعهد اللواء الحسن كرئيس لشعبة المعلومات، في خطر. لذلك، وافق ريفي على التمديد مشترطاً أن يبقى عسكرياً، أي لا يُعيّن كمدني، وأن لا يقوم بزيارات سياسيّة لتمرير هذا التمديد.

في المقابل، سعى فريق الثامن من آذار جدياً إلى أن يفصل التمديد لقهوجي عن التمديد لريفي، لكن هذا الأمر جوبه برفض مطلق من قبل “تيار المستقبل”. وعدم إقرار التمديد قبل شهر نيسان المقبل يفتح الباب أمام فراغ مفترض في قوى الأمن الداخلي للأسباب التالية، بحسب ما يقول متابعون لهذا الملف:

أولاً، صعوبة الاتفاق بين مكونات الحكومة على مدير عام، يحتاج تعيينه لأكثريّة الثلثين. وأي استهانة من قبل الرئيس نجيب ميقاتي في التعاطي سيجعله يخسر كثيراً على بعد شهر من الانتخابات النيابية، لما يحمله هذا الموقع من أهمية لدى طائفة بأكملها، ولما شكله ريفي من رمزية، تعاظمت بعد اغتيال الحسن.

ثانياً، الضابط الذي يحق له أن يكون مكلفاً بعد ريفي يُحال للتقاعد بعد أشهر، لذا على مجلس الوزراء تعيين وكيل للوكيل. الضابط الأكبر سناً هو اللواء علي الحاج! والأهم من ذلك، أن هذه الخضة في قوى الأمن ستكون قبل الانتخابات بشهر واحد.

بالتالي، يقول المتابعون: نحن أمام أقل من شهرين لإقرار التمديد للضباط الثلاثة، أو طي هذه الصفحة بالكامل. الايام الماضية شهدت تداولاً لتوافق سياسي على التمديد لقهوجي وريفي، تبقى العقبة الوحيدة هي إقرار قانون الانتخابات، بحيث سيتم إقرار قانون التمديد في الجلسة عينها التي ستقر قانون الانتخاب أو التي تليها مباشرةً؛ هذا إذا افترضنا أن توافقاً حول قانون الانتخاب سيخرج علينا قريباً.

على هامش ما يجري، كُلّفت جهة قانونيّة بإجراء دراسة حول إمكانية تجاوز مهلة الستة أشهر المفترض أن يستقيل قبلها الموظف في القطاع العام إذا ما أراد الترشّح للانتخابات النيابية استناداً إلى القانون الحالي، في حال كان ترك الوظيفة ناتجاً عن التقاعد وليس الاستقالة، وهي حال ريفي. الجواب كان سلبياً، لكن أي قانون جديد للانتخابات يُقرّ لا يُمكنه أن يتضمن هذا البند لأننا تجاوزنا هذه المهلة. وإذا تضمن القانون هذا الشرط يُمكن الطعن فيه.

إذاً، إقرار قانون جديد للانتخابات يفتح الباب أمام ترشّح ريفي للانتخابات النيابيّة المقبلة، ما يجعل معركة طرابلس أكثر صعوبة على ميقاتي، الذي يُفضل إبعاد هذا المرشح المزعج عبر تركه في قيادة قوى الامن.

* نشر في جريدة المدن الإلكترونية

“إيليت” عوني

في مطعم في المتن، جلسنا لأكثر من ساعتين في محاولة لفهم المؤامرة الكونية على التيّار الوطني الحرّ وجنراله ميشال عون. جلسة كان فيها نائب عوني ورئيسا بلديّة ومهندس ومحام ورجل أعمال.

مثل أي جلسة فيها نائب ورئيس بلدية، يجب أن تكون الدقائق الأولى للنقاش حول شاحنة إسفلت وشارع لم يُعبّد وعدم تقدير انجازات النائب. أو رخصة لتحويل ساعة الكهرباء من عادية إلى صناعية لتخفيض حجم الفاتورة. يعني خلاصة عمل النائب كمعقّب معاملات.

يبدأ النقاش. مداخلة مطوّلة للنائب حول قيمة القانون الارثوذكسي. بنظره حقق القانون النتيجة الأولى حتى الآن وهي شق صفوف الرابع عشر من آذار. هذه تستحق كأساً. لكن أين هو الخطاب العلماني الذي جاء به الجنرال؟

يتذكر أحد العونيين على الطاولة عبارة عون يوم عودته في السابع من ايار ٢٠٠٥: “إن قلت كلاماً طائفياً فانبذوني”. يذكرها في محاولة إخراج المزيد من نائبه. يُحاول هنا النائب شرح كيف أن القانون الارثوذكسي يُعد الخطوة الأولى نحو العلمنة. لا يُفهم من تلك المقاربة إلا تكرار عبارة أن المسيحيين خائفون.

كيف ذلك؟ يُكمل شرحه: يشعر المسيحيّون بالقلق في المنطقة كلها. “هناك أصحاب اللحى الذين يُريدون قتلنا. كيف لنا ألّا نشعر بالقلق ونحن محاطون بأحمد الأسير وسلفيي طرابلس؟ ألا تسمعهم؟ إذهب إلى سجن رومية وتعرّف على ما يجري هناك. ألم تسمع كيف قتلوا ذلك السجين؟”. مجادلة الرجل بأن الدولة اللبنانيّة لم تتعاط مع ملف الاسلاميين إلا بشكلٍ أمني، وأنها لم تُحاكم حتى اللحظة الموقوفين الاسلاميين، لا يرد عليها إلا بالضحك.

أيضاً، يرفض تحميل وزير العدل المسؤولية، وهو من الحصّة العونية. يقول: “لقد بنينا لهم قاعة للمحاكمة، ماذا يُريدون غير ذلك؟” ربما أن يُحاكموا في هذه القاعة! لا يشعر أن واجبه الدفاع عن مواطن مسجون بدون سبب. لا يشعر بأنه نائب لكل اللبنانيين، أو هي ترجمة لنظرية عدم تساوي اللبنانيين في الحقوق، وذلك من منطلقات طبقية وثقافية. الكلام العوني عن رفض المظاهر الدينية لفئة واستخدامه انتخابياً تعبير عن فوقية مبطنة، تعود جذورها إلى أواخر سبعينيات القرن الماضي.

حسناً، هناك من يقول إن القانون الارثوذكسي سيؤدي إلى المطالبة بأن تتمثّل كل طائفة بحجمها. أيقبل العونيون بذلك؟ هنا، يُحمّل مسؤولية “اختلال التوازن الديموغرافي” إلى تجنيس أكثر من ثلاثمئة ألف مسلم. برأيه لا يُمانع التيار الوطني الحرّ بقانون يعتمد النسبية ولبنان دائرة واحدة، لكنه غير مستعد لأن يخوض معركته، بل يخوض معركة الأرثوذكسي. ثم يُضيف بأن الرئيس نبيه بري يرفض النسبية ولبنان دائرة واحدة! الموضوع لا يحتمل النقاش، هذه حقيقة، برأيه.

وعندما يُخطئ أحد الجالسين ويتحدث عن الفساد في وزارة الطاقة، أو في الحدّ الأدنى التأخير في وصول السفن، وأن الوزير جبران باسيل يتحمّل المسؤولية، يبدأ الهجوم المضاد المعد سلفاً. “ألم يسمع أحدكم بفساد تيار المستقبل؟ وكيف حماهم نبيه بري في المجلس؟”. تُذكره بأن بري حليف التيار. يضحك كثيراً. ثم يقول إن البواخر تأخرت لأن الشركة المتعهدة لم تدفع الكفالة المطلوبة. لكن مسؤولية من هذه؟ إنها مسؤولية سعد الحريري ونجيب ميقاتي برأيه. ماذا عن وزارة الاتصالات؟ لا أخطاء في هذه الوزارة. ألم يتأخر الوزير نقولا صحناوي في التفاوض مع الشركتين المشغلتين، فاضطر مجلس الوزراء لأن يُمدد لهما شهراً واحداً. يرد بأن سهيل بوجي هو المسؤول. ثم يُضيف: سيصدر قريباً كتاب عن الفساد سنستعرض به فساد الآخرين.

ثم تأتي حصة اللاجئين السوريين. يعملون مكان اللبنانيين ويُدخلون السلاح إلى لبنان وسيطردوننا من أماكننا وكل المعزوفة، لكنه يرفض اتهام تياره بالعنصرية. يتفاعل الجالسون إيجاباً عند الحديث عن اللاجئين السوريين أو الاسلاميين، لكنهم يتفاعلون سلباً مع النائب عند النقاش حول فساد وزراء التيّار. ربما هذا يُفسّر “السياسة العونية” الجديدة.

طوال الساعتين، كان انفعال النائب العوني، يُشير إلى رغبته في إقناع الجالسين بموقفه. كيف لا، وخليط الجالسين يُشكّل نموذجاً للحالة الشعبيّة للتيّار الوطني الحرّ. هؤلاء الـ”elite”، يعتمد عليهم عون كبنية شعبية، وكوسيط للتواصل مع الآخرين، ولخلق رأي عام مسيحي متزمّت، وهو ما يُفسّر إصرار النائب على عبارة: “أيدينا لست ملوّثة بالدماء. نحن لسنا ميليشيا”.

تشعر هذه الطبقة بأن مصالحها مهددة بسبب الفساد الذي ساد في البلد. هي تريد حصة منه، أو وقفه. لكنها تشعر بتفوق على الآخر، المختلف ثقافيا أو دينياً، أو في الجنسية حتى لو تحالفت يوماً معه في السياسة. الخطاب الإقصائي الحاد يُحرك مشاعر هذه الطبقة. يرفع مستوى الأدرنالين العصبوي إلى مستوى يمنع ما ستنتجه هذه الخيارات السياسية مستقبلاً.

في نهاية الجلسة يتطرق النائب إلى اليسار، طارحاً فرنسا مثلاً. يشرح ما الذي كان يجري معه بسبب النظام الاجتماعي في فرنسا. يُشير إلى أنه مضطر لأن يدفع ٥٠٠ يورو إضافية عن كل ولد من ولديه، لأنه كان يجني الكثير من المال. يسأل: أتعلمون لماذا؟ لتذهب الأموال إلى أبناء أحد الغرباء ممن لديهم سبعة أو ثمانية أولاد ويرفضون العمل ويعيشون على المساعدات الاجتماعية. لذلك يرفض النائب أي نظام فيه حماية اجتماعية لأنه يُحفز على عدم العمل. لا ينتبه إلى أنه كان بدوره غريباً في فرنسا.

* نشر في جريدة المدن الإلكترونية

خريطة طريق: عروسين إلى قبرص

Image

يُردّد كثيرون أن قبرص بلد سياحي مكلف، وهذا غير صحيح. ويتصوّر البعض أن الزواج مدنياً هناك معقّد يحتاج إلى أن تُنظّمه وكالات السفر، وهذا غير صحيح أيضاً. نحن تزوّجنا هناك، واكتشفنا أن الأمر أسهل وأكثر متعة وأقلّ كلفةً مما كنّا نتوقّع. وما يُساعد على هذا، استعداد القبارصة لأن يكونوا أدلّاء في أيّ لحظة.

في اللحظة الأولى التي قرّرنا فيها أن يكون زواجنا مدنيّاً، كان السؤال البديهي: «هل أنتما من دينَيْن مختلفيْن؟». سؤال بريء لدى بعض السائلين، الذين يُريدون منه توجيه رسالةٍ ضمنيّة بعدم التوّرط في هذا «العذاب». لكن البعض الآخر من هؤلاء السائلين، كان يرغب من سؤاله معرفة الانتماء الديني لشخصيْن لا يدلّ اسماهما مباشرةً على انتمائها الديني والمذهبي. لكنّ أزعج ما في السؤال، هو إلغاء حقّنا، في اختيار أي قانون سيحكم حياتنا الزوجيّة، ما دمنا قادرين على الزواج دينيّاً. هو إلغاء ينبثق من رغبة دفينة عند الكثيرين بالإذعان للقوالب التي أوجدها المجتمع دون الحق في إدخال أي تعديل عليها، حتى لو لم يتجاوز التعديل كونه تعديلاً على المستوى الشخصي.

على أي حال، تطلّب المشروع قبل كلّ شيء جهداً لتذليل اعتراضات الأهل. منطق ضمان الحقوق للزوجة، ومنع تعدّد الزوجات هو المدخل الأساسي لإقناع أهل رلى. اضطررت في لحظات إلى تصوير نفسي، كشخص يُفترض ضبطه وتكبيله ليكون «زوجاً صالحاً».
انتهى البند الأوّل من المشوار. قُبلت الفكرة على مضض. طيب، أين الزواج؟ في قبرص؟ في تركيا؟ في لبنان؟
برزت فكرة الزواج مدنيّاً في لبنان. بدأ العمل عليها. لقاء مع السيدة أوغاريت يونان، تزوّدنا خلاله بدراسة قانونيّة للنائب غسان مخيبر عن إمكان عقد هذا الزواج في بيروت، اعتماداً على «قانون العائلة» الصادر أيّام السلطنة العثمانيّة. لكن في النصوص القانونيّة اللبنانيّة نصّ آخر، يعترف بالزواج المدني شرط عدم حصوله فوق الأراضي اللبنانيّة.
باءت المحاولة بالفشل. قرّ الرأي على الزواج خارج لبنان. في المفاضلة بين تركيا وقبرص، ربحت قبرص لسببين: الأوّل ضرورة الذهاب من إسطنبول إلى أنقرة لتصديق معاملات الزواج، وهو ما سيُصعّب الأمر ويزيد كلفته الماليّة. والثاني، هو كتاب للقاضي جون القزي يُقارن فيه بين عدّة قوانين للزواج المدني، ويُفهم منه أن القانون القبرصي هو الأمثل، أو هو الأقرب لما في أذهاننا عن الزواج المدني.
يبدأ الاستعداد للسفر إلى قبرص. يكاد المرء يضيع في غابة العروض التي تُقدّمها له وكالات السفر للزواج مدنيّاً في قبرص. وعند التمعّن يخرج المرء مقتنعاً بأنه ليس منها واحد مناسب مالياً.
على من يُخطط للزواج في قبرص دراسة العروض تفصيليّاً، لا الاكتفاء بعبارة «تزوّج في قبرص بهذا المبلغ أو ذاك»، وخصوصاً إذا كانت الرحلة مقتصرة على المبيت يوماً واحداً في هذه الجزيرة الجميلة. كذلك يجب التأكّد من شمول العرض رسوم البلديّة.
بالنسبة إلينا، أخذتنا الحيرة في البداية. سمعنا الكثير من النصائح، لكن الخطوة الأهم كانت الاتصال ببلديّة نيقوسيا مباشرةً بعدما أبلغتنا وكالة السفريّات، التي حجزنا من خلالها الفندق، أن كلفة تنظيم الزواج، أي الحصول على موعد من البلديّة، ستكون 500 يورو، أي ما يوازي مليون ليرة لبنانيّة، وهذا لا يتضمّن رسوم البلديّة.
اتصلنا ببلديّة قبرص على الرقم 00357227972238، بموظّفة تُدعى يوتا حدّدت موعداً، وغُيِّر الموعد عبر المراسلة على البريد الإلكتروني CivilMarriages@nicosiamunicipality.org.cyليتبيّن أن الموضوع أسهل ممّا يتوقّع المرء، وبلا كلفة. كذلك ذكرت الموظّفة في واحدةٍ من رسائلها رسوم الزواج، وهي على النحو الآتي: 280 يورو لتسجيل الزواج، 14 يورو للحصول على صورة مصدّقة من البلديّة عن وثيقة الزواج، إذ من المفترض أن يحتفظ الزوجان بالوثيقة الأصليّة. وهكذا حُدِّد الموعد في البلديّة من دون أي كلفة ماليّة بدل دفع الـ500 يورو.
وصلنا إلى قبرص مساء الأحد. لم نكن نعرف كيف سنذهب إلى نيقوسيا. سألنا سائق الأجرة (الذي نقلنا من مطار لارنكا إلى الفندق) عن كلفة الذهاب إلى نيقوسيا وإتمام معاملات الزواج والعودة إلى لارنكا. أجرى الرجل عدّة اتصالات ليُبلغنا أن الكلفة هي 100 يورو ذهاباً وإياباً، إضافة إلى عشرة يورو بدل كلّ ساعة انتظار. ولحظة وصلنا إلى الفندق، سألنا الموظفين هناك عن الموضوع عينه. جاء جوابهم سريعاً: يأخذكم السائق من أمام باب الفندق إلى بلديّة نيقوسيا، وبعدها إلى الدوائر المطلوب تصديق المعاملات فيها، بالإضافة إلى جولة سياحيّة في المدينة ثم يعود إلى الفندق بكلفة 120 يورو، «ولكن لماذا في نيقوسيا؟ لدينا بلديّة في لارنكا» يسأل الموظفون باستياء. وهكذا كان، اعتمدنا خيار الفندق.
انطلقنا باكراً، احتياطاً لازدحام السيّر، لكنه لم يكن بهذا السوء. لذلك، وصلنا إلى البلديّة قبل الموعد المحدّد. ملأنا الأوراق اللازمة خلال عشر دقائق، ودُفع المبلغ في المصرف القبرصي المقابل للبلديّة ودخلنا القاعة حيث كان في انتظارنا القاضي نيكوس، وهو الذي سيعقد قراننا. قرأ علينا التزامات أحدنا تجاه الآخر، ثم وقعنا الوثائق وحصلنا على النسخة المصدّقة من البلديّة. احتاجت هذه العمليّة كلها إلى نحو نصف ساعة. توجهنا إلى وزارة الخارجيّة القبرصيّة التي تبعد مئات الأمتار عن البلديّة. لا يحتاج المرء إلّا إلى مبلغ يقلّ عن 2 يورو لتصديق كلّ ورقة في وزارة الخارجيّة، ولا ينتظر إلّا دقائق معدودة. بعدها توجهنا إلى السفارة اللبنانيّة، التي تقع في المنطقة عينها. هناك يطول الانتظار، وتحضر فوراً صورة الإدارات الرسميّة اللبنانيّة. نملأ الأوراق. ندفع 16 يورو. لا يحتاج الزوجان إلى أن يترجما الأوراق الصادرة عن بلديّة نيقوسيا، إذ إن تسجيل الزواج في لبنان يجري عبر السفارة اللبنانيّة التي تُرسل بدورها الملف إلى وزارة الداخليّة في بيروت. بعدما انتهينا من السفارة اللبنانيّة، جلنا في عاصمة قبرص، وزرنا الجانب التركي من المدينة. لا تتبدّل الصورة كثيراً في الشارع التجاري للجزء التركي من نيقوسيا؛ سوى أن الليرة التركيّة تُصبح متداولة، فضلاً عن وجود تماثيل للزعيم التركي كمال أتاتورك. في الجزأين القبرصيين، اليوناني والتركي، انتشار لجيشي البلدين منذ عام 1974. تفصل بين المنطقتين قوّات دوليّة. لكن الزائر لا يُلاحظ هذا الوجود إلّا عند البحث عنه. كذلك إن العديد من القبارصة اليونانيين لا يُحمّلون القبارصة الأتراك مسؤوليّة ما حصل، بل الولايات المتحدة في الدرجة الأولى، ثم تركيا.
هكذا، كانت كلفة الزواج مع النقل 465 يورو، بدل دفع مبلغ يصل إلى نحو 1000 يورو. ومن يُراقب إعلانات وكالات السفر، يظهر أن معظم العروض التي تتضمّن منامة ليوم واحد إلى جانب إتمام إجراءات الزواج لا تقل عن 2000 دولار أميركي. بينما كانت الكلفة بالنسبة إلينا على النحو الآتي: 400 دولار بدل السفر، و95 يورو بدل غرفة في فندق أربع نجوم ونصف إلى جانب 465 يورو كلفة الزواج، ما يعني 1225 دولاراً لا أكثر.
ويُمكن الراغب أن يعتمد على وسائل النقل العام المتوافرة على نحو منظّم، بحيث تنخفض كلفة النقل من 120 يورو للشخصين إلى حدود 15 يورو، بكلّ بساطة.
قد يظن واحدنا أن كلفة المعيشة في الجزيرة مرتفعة جداً. وللنظرة الأولى هي مرتفعة. لكن لحظة فهم منظومة النقل العام، يتبيّن أن الكلفة أقلّ كثيراً من التنقّل داخل لبنان. فالكلفة الأساسيّة للسياحة في قبرص هي النقل، إذ إن أسعار سيّارات الأجرة الخاصّة مرتفعة جداً، مثل أي دولة أوروبيّة. لكن النقل العام متوافر على شكل باصات مكيّفة ولديها خط سير واضح ومنتظم، يصل من خلاله المرء إلى أي شبرٍ من الجزيرة. إلى جانب الباص، هناك ما يُسمّى في قبرص Taxi Service، وهو يُشبه سيّارات الأجرة في لبنان، أي التشارك مع زبائن آخرين في سيّارةٍ واحدة. وتعمل هذه المنظومة بنحو رئيسي بين المدن، لا داخل المدينة الواحدة.
أمّا كلفة الاتصالات فهي متدنيّة جداً. ويُمكن شراء رقم قبرصي بقيمة 12.5 يورو، وهو سيسمح بنحو 30 دقيقة اتصال دوليّة، إضافةً إلى عشرات الاتصالات داخل قبرص والرسائل النصيّة داخلاً وخارجاً في هذا البلد الذي انضمّ إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004.
بمقارنة أسعار الأكل والمشرب في كلّ من لبنان وقبرص، يظهر أن التكلفة في لبنان تكاد تكون أغلى بنسبةٍ بسيطة. لكن المميّز أن جميع المطاعم والمقاهي تضع لائحة الأسعار الخاصّة بها أمام مدخلها وباللغتيْن اليونانيّة والإنكليزيّة.
يسأل كثيرون عن أسعار الفنادق. في قبرص، كما في أي دولة في العالم، فنادق متعددة النجوم. ولكن حذار! عندما يُخبرك أحد أن هذا الفندق أو ذاك يملك شاطئاً، فهو يبيعك كلاماً في الهواء. في قبرص كلّ الشواطئ شواطئ «سان بلاش». ويُمكن أي سائحٍ أو مواطنٍ أن يتمدّد إلى جانبك على الشاطئ عينه، وأنت تظنّ أنك تملك امتيازاً عن غيرك دفعت ثمنه. الشواطئ في قبرص كلها ملكٌ عام. والملك العام لا يحق لأحد مصادرته. وعند التوجه إلى شاطئ، يدفع الزائر 2 أو 3 يورو ليستأجر شمسيّة وكرسياً والشواطئ، بالمناسبة، نظيفة جداً.
من هنا، لا ميزة لفندق على آخر إلّا بالسعة والترف، مثل وجود ملاعب للتنس وللسكواش في الفنادق الفخمة ومراكز تجميل وعناية بالبشرة وغيرها من الخدمات الإضافيّة، مما لا يتوافر بالمجان. ويمكن الحصول على غرفة لشخصين في فندق جيّد بلارنكا لجهة معايير الخدمة والنظافة بمبلغ 50 يورو.
الغالبيّة تعرف عن مميزات الشواطئ القبرصيّة. تتردّد على شفاههم أسماء ليماسول ولارنكا وأيانابا وبافوس مدناً لا بد من زيارتها؛ لأنها تحوي شواطئ جميلة. بالطبع لكلّ مدينة من هذه طابعها وشاطئها، لكن يُمكن القول إن هناك قواسم مشتركة كثيرة بينها. في لارنكا، الشاطئ رمليٌ وجميل، لكن للأمانة، إن شاطئ مدينة صور الرملي يُعدّ أفضل من شاطئ لارنكا.
ما لا يُذكر عادةً على ألسن السيّاح اللبنانيين ووكالات السياحة والسفر اللبنانيّة هو أماكن أخرى يُفترض زيارتها. البداية تكون مع أعلى نقطة في الجزيرة، وهي بارتفاع 2000 متر عن سطح البحر. تُسمّى هذه المنطقة «ترودوس» (Trodoos)، حيث يُمكن زيارة غابة الأرز الكبيرة هناك مشياً أو بالدراجات الهوائيّة المخصصة للجبال أو على الأحصنة والحمير. وعلى المرء أن يتزوّد بملابس شتويّة عند زيارته هذه المنطقة بسبب إمكان هطل الأمطار حتى في فصل الصيف، ومن المفيد متابعة الأرصاد الجويّة قبل زيارتها.
يحوي هذا الجبل العديد من القرى القديمة يُمكن فيها مشاهدة البيوت القبرصيّة القديمة الوادعة في حضن الجبل. ويُمكن الوصول إليها عبر ركوب الباص من العاصمة نيقوسيا. عندما أردنا زيارتها، وكنّا موجودين في لارنكا، قيل لنا إن الكلفة 250 يورو. لكن التوجّه بالنقل العام ــــ ولم نكن قد أمضينا في قبرص سوى ثلاثة أيّام ــــ أتاح لنا زيارة بلدة صغيرة تُدعى كابوبتريا، حيث فيها صخرة معلّقة (تقول الأسطورة في قبرص إن عروسين وقعت عليهما هذه الصخرة وقتلتهما قبل مئات السنين، ومن حينها يُقيم عرسان المنطقة مراسم الزواج عند هذه الصخرة لمباركتهم)؛ وتوجهنا من هذه البلدة إلى ترودوس وعدنا إلى لارنكا عبر نيقوسيا بكلفةٍ لم تتجاوز خمسة وأربعين يورو.
كذلك يجب زيارة الكنائس الملوّنة، وهي عشر، موجودة في جبل ترودوس وتعود إلى العهد البيزنطي، وقد صنفتها الأونيسكو من التراث العالمي. تنتشر هذه الكنائس بين غيرها من الكنائس المتشابهة في الشكل الخارجي، لكن لحظة دخول كل واحدة من الكنائس العشر يدخل المرء إلى عالم آخر. فمهمّة الرسوم كانت تصوير حياة المسيح وشرح الإنجيل لأهالي المنطقة في العهد البيزنطي، على طريقة الرسوم التصويريّة، لأن الأهالي كانوا في معظمهم أميين. وقد نجت هذه الكنائس من «البطش العثماني» كما يقول القبارصة، بسبب وجودها في أعالي الجبال.
أمّا «Gorge Avakas»، وهي عبارة عن شقوق كبيرة في الجبال بمنطقة أكامس في شمال بافوس، فلا مفرّ للوصول إليها من تسلّقها عبر ممر مائي ضيّق إلى الهضاب التي تحوي هذه الشقوق. وهي منطقة موحشة، لذا من الأفضل زيارتها نهاراً. وفي المنطقة عينها يقع رأس أكامس، وهو أرض لا تزال عذراء ولا مسابح فيها، فهي لا تزال على طبيعتها.


افعل

ــ اشرب البيرة القبرصيّة Ceo، لا الأنواع المستوردة، لطعمها اللذيذ ولأنها تُعطي عنك لمضيفك انطباعاً جيداً.
ــ تناول الطعام القبرصي التقليدي، وخصوصاً الـ Tavas والـ Mousaka.
ــ الابتسامة كافية لتسهيل الكثير من الأمور، فالقبارصة ودودون جداً.
ــ مارس الألعاب البحريّة المنتشرة بكثافة بأسعار متدنيّة.
ــ صدّقْ أحوال الطقس القبرصيّة.
ــ قم بزيارة العاصمة نيقوسيا والانتقال منها إلى قبرص التركيّة.
ــ اسأل قدر الإمكان، فالناس هناك مستعدون للمساعدة.
ــ التنقّل بسيّارة مستأجرة أمر سهل بسبب كثافة انتشار اللافتات التوضيحيّة.
ـ ثق بسائقي الأجرة وبنصائحهم، وخصوصاً عندما يُشيرون عليك بتأجيل موعد الزيارة إلى مكان ما، لكن لا تقبل إلّا بتشغيل العداد في السيّارة.
ــ تحقق من المواقع الإلكترونيّة الرسميّة التابعة للهيئات السياحيّة قبل الذهاب إلى قبرص، لأن هناك العديد من المهرجانات الصيفيّة.

لا تفعل

ــ لا تطلب قهوة تركيّة. عندهم هي قهوة قبرصيّة، رغم أننا نعرفها بالتركيّة. وإذا طلبت القهوة القبرصيّة على سبيل التجربة، وتبيّن لك أنها تركيّة، فلا تُشر للأمر أمام القبارصة؛ لأن ذلك سيجلب لك التأنيب.
ــ لا تقم بأي حجز مسبق للتاكسي من المطار إلى الفندق وبالعكس، فهو أغلى، وقد تقبع في المطار أو في الفندق بانتظار سائق لن يظهر.
ــ لا تنسَ وضع إشارة «عدم الإزعاج» خارج الغرفة؛ لأن غيابها يعني أن موظفي خدمة الغرف يقفزون إلى الغرفة بعد نقرةٍ واحدة على الباب.
ــ احذر العنصريّة المتزايدة تجاه العرب والأفارقة. والعنصريّة تجاه العرب نشأت بسبب وجود تكاثر من اللاجئين من العراق، فلسطينيين وعراقيين.
ــ الدوام الرسمي يومي الأربعاء والسبت هو نصف دوام في جميع الدوائر الرسميّة والصيدليّات.
ـ احذر الإسرائيليين المنتشرين في الجزيرة، والراغبين في محاورتك إذا اكتشفوا أنك لبناني.

• نشر في جريدة الأخبار اللبنانية بتاريخ ١١ حزيران ٢٠١١