لا تخلو جلسة مع السلفيين هذه الأيام إلّا ويُعبّر فيها هؤلاء عن تخوّفهم مما يُحضَّر لهم. ترتسم أمامهم صورة غير ورديّة. يرون أنهم باتوا بلا حليف حقيقي. أقرب الناس لهم، افتراضياً، خذلوهم. ترتسم على وجه شيخ سلفي ذي حضور بارز في الساحة حالياً، تعابير يأس: “نُحاول تجاوز كلّ مطب يُفرض علينا، لكننا حينما يُشيّدون سداً في وجهنا، لن نذهب إلى الموت طائعين. سندافع عن أنفسنا حتى آخر رمق”.
لا يُريد السلفيّون الصدام مع أحد. هذا ما يُعلنونه على الأقل، وما ينعكس في بعض ممارساتهم على الأرض. يقول الشيخ السلفي نفسه: “يتهموننا بأننا نُريد تحويل المسيحيين إلى أهل ذمّة، نحن نقبل بأن نكون أهل ذمّة. أعطونا الحقوق التي ينالها غير المسلم في الدولة الاسلاميّة”. ويُضيف بأن الإسلاميين في لبنان مقتنعون بأن البلد لا يصلح لأن يكون دولة خلافة. برأيهم لا يملك المقومات، لذلك يُريدون العيش مع مكونات المجتمع انطلاقاً من مبدأ الحقوق والواجبات.
يطول النقاش مع السلفيين حول واقعهم الحالي. يُعطي أحدهم مثالاً لما يُحضّر لهم: “قال الشيخ عمر بكري في حديث صحافي عن أن طرابلس هي المدينة القادرة أن تكون مقراً لجبهة النصرة”. رفض السلفيون في ما بينهم هذا الكلام، ودارت معارك كلاميّة حول الأمر، لكن اللافت كان مسارعة وزير الداخليّة مروان شربل إلى تأكيد هذا الأمر والقول في حديث تلفزيوني إن هناك حالة خطرة يجب أن تُستأصل من المدينة”. يقصد شربل السلفيين بالحالة الخطرة والمتشددة. اللافت هنا، أن الجميع يُدرك أن بكري ليس صاحب تمثيل شعبي كبير، لكن يتم أخذ كلامه كمسلّمات.
يُضيف شيخ آخر مثالاً ثانياً: قامت الدنيا ولم تقعد بعد رفع لافتات موقعة بإسم الامارة الاسلاميّة في طرابلس. اتهم حسام الصباغ بالأمر. اتهام، يترافق مع سلسلة من الاتهامات التي تُكال للرجل، من أنه أمير تنظيم القاعدة في لبنان، أو أنه يتولّى إدخال المسلحين والسلاح إلى سوريا. لم يكن الصباغ هو من رفع اللافتات، لكنه كان من أزالها، من الشارع بعد ساعات على رفعها. معظم وسائل الاعلام لم ترَ ذلك، وأصرّت على اتهامه برفعها. ثم تأتي القنابل التي تُرمى بشكلٍ يومي في أنحاء طرابلس مع التركيز على منطقة أبي سمراء، من دون أن تستطيع القوى الأمنية معرفة الفاعل.
هكذا، يشعر السلفيّون بأن هناك اتفاقاً ضدهم. الإعلام يستهدفهم، كما يقولون. من النادر أن يجدوا وسيلة إعلام تسمع لهم، أو تنقل ما يقولونه ويفعلونه كما هو. يُضاف إلى هذا الواقع، أن بعض وسائل الإعلام تختار شخصيات سلفيّة متشددة، لكنها غير ممثلة، لتتحدّث بإسم السلفيين. بلال دقماق نموذج حي.
سياسياً، يشعر السلفيّون بأن تيّار المستقبل ورئيسه سعد الحريري لا يُمانعان باستخدامهم والتخلّي عنهم في أي لحظة. لمسوا من خطاب الحريري الأخير في البيال في ذكرى 14 شباط، إشارات واضحة لهذا الأمر. الرئيس نجيب ميقاتي، ليس حليفاً لهم. دافعوا عنه يوم استهدف بعد اغتيال اللواء وسام الحسن، لكنه خرج بعدها ليقول: “منعنا إقامة الإمارة الإسلاميّة في طرابلس”. لا يعرف هؤلاء من كان يُريد إقامة إمارة كهذه، لكنهم يعرفون أنهم كانوا المقصودين بالاتهام.
يشعر السلفيّون بأن حبل المشنقة بدأ يلتف حول رقابهم. هم يُريدون الانفتاح. يبحثون عن شخصيات يستطيعون التواصل معها وبناء اتفاقيات وتفاهمات. موقفهم من الشيعة ليس سلبياً. يُسمع منهم إشادة بشخصيات شيعيّة. بعضم يرى “حزب الله” قريباً فكرياً لهم، لكنهم لا يستطيعون أن يغفروا له دوره في سوريا.
تدور في اذهان السلفيين في طرابلس أفكار كثيرة لم تنضج بعد. خلاصة هذه الأفكار، الرغبة في التواصل مع مختلف الناس، والخروج من فكرة أنهم محصورون في طرابلس، والانطلاق صوب العمل السياسي، تحت عنوان تنمية مناطقهم. ينظرون إلى طرابلس والمنية والضنية وعكار، ويشعرون بالتمييز من قبل الدولة اللبنانيّة، “لكن عندما زرت عرسال شعرت بأن طرابلس في أفضل حال” يقول أحد رجال الدين السلفيين في إشارة إلى غياب الانماء بالكامل عن عرسال. يُحملون المسؤولية الأولى لهذا الأمر لمن هم نظرياً ممثلين لهذه المناطق.
الأحد يعتصم السلفيون في بيروت رافعين عنواناً واحداً، هو “الموقوفون الإسلاميون”. يقول بعض السلفيين، أن حلاً قضائياً عادلاً لهذا الملف، يُمكن أن يكون مدخلاً لمصالحة هذه الحالة مع الدولة اللبنانيّة. أمّا قرار الاستئصال فلا بد أن يُعيد إلى الأذهان معارك التوحيد في ثمانينات القرن الماضي، وهي معارك لم تُشفَ منها طرابلس حتى اللحظة.
* نشر في جريدة المدن الإلكترونية