بريد طرابلس امتلأ

اشتعلت في طرابلس. كانت الاشتباكات توقفت بعد ظهر يوم الجمعة، لتعود الأوضاع الى الفلتان ليلاً، حيث كل الحدث اللبناني شمالي، من استقالة الرئيس نجيب ميقاتي إلى عدم التمديد للواء اشرف ريفي إلى حرب جبل محسن باب التبانة.

لهجة الشارع زادت في مذهبيتها. أهل طرابلس، الهادئون منهم قبل المتشددين، يسألون عن سبب عدم التمديد لريفي. ويشير هؤلاء إلى الظلم الذي يلحق السنة، عبر استبعاد ممثلهم الأول، أي الرئيس سعد الحريري عن السلطة، ثم ضرب نجيب ميقاتي، واستهداف مشايخ دار الفتوى وأخيراً عدم التمديد لريفي بما يشكله من ضمانة في قوى الامن، وهو ما يأتي بعد اغتيال اللواء وسام الحسن.

والأسوأ، بالنسبة لأهل طرابلس، كان نشر معلومات من قبل صحافيين ووسائل إعلامٍ مقربين من فريق الثامن من آذار، عن وجود تجمعات مسلحة تحت منزل ريفي تستعد لبدء معارك كبيرة في حال عدم التمديد لريفي. هذه المعطيات لم تكن صحيحة. وكان من السهل لزوار منزل ريفي أو المارين بجانبه ملاحظة عدم وجود شيء من هذا القبيل. شعر أبناء طرابلس بأن هناك من يُحضر لافتعال إشكالات أمنية ولصقها بهم. حادثة عرسال وما رافقها لا تزال حية في وجدانهم.

لكن استقالة الرئيس نجيب ميقاتي أعادت صوت الرصاص إلى طرابلس في جولة لا يعرف أحد إلى أي مدى ستصل، لكن المعطيات المتوافرة تشير إلى أنها قد تكون من الجولات الأعنف. قبل هذه الجولة، سقط أربعة قتلى وأكثر من ثلاثين جريحاً من التبانة، وقتيل وعدد من الجرحى من جبل محسن، كانوا ضحية الاشتباكات التي لم يُعلن بعد سبب افتعالها. الأكيد في طرابلس أن الحقن المذهبي وصل إلى حدوده القصوى. العلاقة بين العلويين والسنة في اقصى توترها. تكررت على مدى الأيام الماضية حوادث الاعتداء من هنا ومن هناك على مدنيين لا علاقة لهم بما يجري. لكن العامل الأكثر تأثيراً كان كلام رفعت عيد، أمين عام الحزب الديمقراطي اللبناني والشيخ أسد عاصي، اللذين استعملا لهجة حادة جداً تجاه السنة. اتهامات عاصي كانت مفاجئة، خصوصاً تلك التي قال فيها أن نساء جبل محسن يتعرضن للاغتصاب. واللافت أيضاً هو الغطاء الطائفي الذي أعطاه عاصي للحزب الديمقراطي اللبناني. وجاء إطلاق سراح حسان سرور وما رافقها من إطلاق نار في الهواء، لتفتح هذه الجولة من الاشتباكات.

المعطيات الميدانيّة، تُشير إلى أمور أساسيّة:
أولاً: تجاوز الحزب الديمقراطي اللبناني الحدود التي كانت موجودة سابقاً. هذا التجاوز كان في المدى التي وصلته النيران وليس تقدماً ميدانياً، إذ بعد دقائق من بداية الاشتباكات، طالت النيران منطقة قلعة طرابلس للمرّة الأولى، منذ أن بدأت جولات الاشتباكات هذه في العام 2008. كما أن كثافة النيران من جبل محسن لم تكن على مستوى الاشتباك الذي بقي محدوداً، بل إنها كانت تشير إلى وجود معركة كبيرة.

ثانياً: للمرة الأولى استطاعت القوى السلفيّة ضبط شارعها، ومنع مجموعاتها من المشاركة في جولة الاشتباكات، تحت عنوان أن هذه المعارك تضرّ المدينة ولا جدوى لها. وسبق للقوى السلفيّة أن امتنعت عن المشاركة في جولة المعارك السابقة التي تلت اغتيال اللواء وسام الحسن، لكن قرارها هذا انحسر في المعركة مع جبل محسن، وشاركت حينها هذه القوى في الهجوم على مكاتب حركة التوحيد الاسلاميّة.
ثالثاً: المجموعات الاساسيّة في التبانة والقبة والمنكوبين لم تشارك في المعركة، بل تركزت في منطقة الريفا، وكان لافتاً التزام هذه القوى بعدم المشاركة في المعارك.

كلّ هذه المعطيات، تشير بحسب شخصيّات طرابلسيّة إلى وجود رابط بين رغبة النظام السوري في نقل المعركة إلى خارج حدوده، مع هذا التحمّس الزائد في جبل محسن. وتشير هذه الشخصيّات إلى أن قرار النظام السوري تزامن مع تشكيل الحكومة الانتقاليّة من قبل الائتلاف السوري المعارض.

جولة ليل الخميس ــ الجمعة كانت ترجمة لحسابات الحزب الديمقراطي اللبناني والنظام السوري، ويبدو أن جولة الجمعة ــ السبت، ستكون ترجمة لإحباط طائفة شعرت بأنها تُقصى عن إدارة الدولة.

ضخ الرسائل من الجانبين لم ينقطع، مع أن صندوق بريد طرابلس امتلأ، وطفح بالفيحاء الكيل.

* نشرت في جريدة المدن الإلكترونية

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: