الأمنيون عاجزون!

تُصرّ الدولة اللبنانية على دفن رأسها في الرمال.
هذا التشبيه هو الأصلح لوصف تعاطي الدولة بمختلف مؤسساتها مع تداعيات الثورة السوريّة على لبنان. لا يقتصر الأمر على موضوع النازحين السوريين. يتعداه إلى التعاطي مع الأطراف اللبنانيّة التي باتت تُعلن مشاركتها العسكريّة في سوريا، إن إلى جانب النظام أو إلى جانب المعارضة. كذلك هو الأمر بالنسبة إلى المواضيع السياسيّة والأمنية والدبلوماسيّة.

مثلاً، تُصر المديريّة العامّة للشؤون السياسيّة واللاجئين في وزارة الداخليّة على أن يُصدّق النازحون الفلسطينيون من سوريا أوراقهم من السفارة اللبنانيّة في دمشق؛ رغم أن النازحين الفلسطينيين يقولون إن أبواب السفارة مقفلة في أغلب الأحيان. حتى لو كانت هذه الأبواب مفتوحة، فإن التنقل ليس بالأمر السهل، تحديداً لمن نزح إلى لبنان.

على أي حال، فإن دفن الرأس في الرمال، هو السمة السائدة في الاجتماعات التي تعقدها اللجان المختصة التعاطي مع ملف النازحين. حتى اللحظة، لم يشعر المعنيّون بضرورة إنشاء مخيّمات، رغم الفائدة القصوى لهذه المخيمات على الصعيد الانساني والأمني والسياسي.

لهذه الاسباب، اتفق المسؤولين الأمنيين اللبنانيين على موقف واحد في الاجتماع الأخير الذي عُقد في قصر بعبدا برئاسة ميشال سليمان لبحث موضوع النازحين السوريين. وقد أجمع قائد الجيش العماد جان قهوجي، ومدير عام قوى الأمن اللواء أشرف ريفي، ومدير عام الأمن العام عباس ابراهيم على التوصيف ذاته للوضع وهو على الشكل التالي: يتزايد الانفلات الأمني في البلد في شكلّ كبير. ارتفعت نسبة السرقات والخطف إلى أرقام قياسيّة. معدّل سرقة السيارات في لبنان كان بمعدل سيارتين في اليوم، ارتفع تدريجياً ليصل إلى 15 سيارة يومياً.

منذ أسابيع أوقفت قوى الأمن عصابة اعترفت بسرقة أكثر من 60 سيارة رباعية الدفع وبيعها في سوريا للاستعمال العسكري. الخطف ازداد كثيراً، وبات للخاطفين أماكن آمنة يلجأون إليها. البؤر الأمنيّة غير المنضبطة تنتشر من الجنوب إلى الشمال. السلاح الفردي ينتشر بشكل واسع جداً، وصار استعماله سهلاً للمواطنين اللبنانيين. توسّعت ظاهرة التوسّل بشكل خطير. ضغط كبير على البناء المخالف خصوصاً في المناطق المحاذية لسوريا، لاستيعاب عدد النازحين المحتاجين إلى إيواء.

والأخطر، يُشارك طرفان لبنانيان في الأعمال العسكرية في سوريا، أحد هذين الطرفين منظّم جداً، والآخر معروف لكنه غير منظّم ولا موحّد. الاحتقان السني ــ الشيعي في أعلى مستوياته، وأي مشكلة صغيرة قد تتطور بشكل غير متوقّع. ما جرى في عرسال نموذج لما يُنتجه هذا الاحقان. خط الحدود بين لبنان وسوريا هو خط وهمي. لا يفصل البلدين حاجز طبيعي، مثل بحر أو بحيرة أو جبل أو وادٍ. وهذا يعني أن القتال الدائر في سوريا، يُمكن أن ينتقل بسهولة عبر الحدود، وتختفي هذه الحدود الوهميّة، خصوصاً بين الأطراف اللبنانيّة المشاركة في القتال.

بعد هذا التوصيف، يُجمع الأمنيّون على أن استيعاب الوضع والسيطرة على تداعياته يحتاجان إلى قرار سياسي في البداية، قبل أي عملٍ أمني، إلى جانب دعم أكبر للقوى الأمنية والعسكرية. وهذا العمل السياسي هو بين القوى الأساسيّة في البلد، خصوصاً بين حزب الله وتيار المستقبل، كونهما الممثلين الأكبر للطائفتين السنيّة والشيعيّة.

ردّ رئيس الجمهوريّة بأنه دعا إلى طاولة الحوار، لكن قوى أساسيّة رفضت المشاركة فيها، تحديداً قوى الرابع عشر من آذار. ردّ الأمنيون بأن الحوار لا يجب أن يحصل بالضرورة حول طاولة. يُمكن هذا الحوار أن يكون ثنائياً، أو ثلاثياً، أو حتى بالواسطة. وهناك مثل على هذا هو الحوار الذي حصل بين الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، ولم يُعلن شيء منه إلا بعد الوصول إلى نتائج إيجابيّة، وهو ما تُرجم برسائل الغزل بين الرجلين.

يُجمع الأمنيون في لبنان، بأن الأمور قد تخرج عن السيطرة في أي لحظة. إعلان حزب الله شبه الرسمي عن المشاركة في الأعمال العسكرية يزيد التوتر المذهبي. كمّ المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعية الموجودة أصلاً في لبنان بحد ذاته يحتاج إلى غرفة عمليات، فكيف إذا أضفنا إليه تداعيات الثورة السورية. هي تداعيات لم تعد سياسيّة فقط أو افتراضية، بل أصبحت واقعاً علينا التعاطي معه بهدوء، وإلا تنتظرنا أيّام سوداء كأيام العراق، وعلى حدّ قول أحد الأمنيين، فإن لبنان لا يحتمل تفجيرين أو ثلاثة من تلك التي تقع في العراق. انتهى الاجتماع إلى ترك الامر لميشال سليمان للتصرف.

ويبدو أن من يُفترض أن يلعب دور العازل بين الفتيلين القابلين للاشتعال، لا يقوم بدوره، بل إنه يزيد من الاحتقان، والمعني هنا الاحزاب المسيحيّة من جهة، وشبه اضمحلال اليسار، وارتهان ما تبقى من هيكلياته التنظيميّة. أما وليد جنبلاط، فقدرته على الامتصاص قابلة للنفاد.

* نشر في جريدة المدن الإلكترونية
http://almodon.com/Politics/Articles/الامنيون-عاجزون!

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: