من يُشيطن الحالة الإسلامية؟

لم يُحدد بيان السفارة الأميركيّة عن أي أخطار تحدّثت السفيرة الأميركيّة مورا كونيللي مع قائد الجيش العماد جان قهوجي حين زارته قبل أيام. لكن البيان أبدى تخوفاً على استقرار لبنان ودعم الجيش حمايةً لهذا الاستقرار. لا يحتاج الأمر إلى الكثير من الفطنة لربط ما يجري في عرسال بزيارة السفيرة الأميركيّة. المعلومات المتداولة في بيروت بين الدبلوماسيين الغربيين والأمنيين اللبنانيين تشير إلى هذا السياق.

الخطر برأي الغرب هو الحالة الإسلاميّة الصاعدة في لبنان مع استمرار الثورة السورية. التسوية في سوريا يجب أن تنعكس في لبنان. يقول دبلوماسيّون غربيّون إن ضبط الحالة الإسلاميّة في لبنان (وهي ما يُصطلح على تسميتها بالحالة السلفيّة) هو أحد طرق ضبط هذه الحالة في سوريا. يعتبرون أن لبنان هو أيضا، أحد طرق دعم الحالة الإسلامية في سوريا، كما يتخوّفون من انتقال بعض الاسلاميين من سوريا إلى لبنان.

الكلام الغربي، ليس في الضرورة صائباً. أحد الأمثلة على عدم صوابية هذا الكلام، يأتي على لسان أحد الأمنيين الرفيعين في لبنان، وهو ممن على علاقة طيبة بالنظام في سوريا. ينقل بعض زوّار هذا الأمني كلاماً إيجابياً عن أحد رموز الحالة السلفيّة في طرابلس. ويُضيف: كل التقارير الواردة من الشمال تُشير إلى أن هذا الرجل (وهو متهم بأنه أحد أمراء القاعدة في لبنان) يلعب دوراً إيجابياً في ضبط الشارع ومنع الأمور من الانزلاق إلى منزلقات خطيرة.

في المقابل، فإن كلّ التقارير الغربية تطلب رأس هذا القيادي. والتقارير ليست حكراً على بلدان كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، هناك استراليا أيضاً، التي تُراقب عن كثب الحالة الإسلامية في شمال لبنان، كون تركّز هجرة الإسلاميين من ابناء طرابلس بعد ضرب حركة التوحيد كان إلى استراليا.

يقول أحد السياسيين اللبنانيين، ممن يُتابعون مسار الحالة الإسلامية، ان ما جرى في عرسال ليس تفصيلاً. لا أحد يملك جواباً حاسماً ونهائياً عمّا حصل. لا يُنكر الرجل أن أبناء عرسال وقعوا في أخطاء كبيرة. لكنّه يسأل عن توقيت العمليّة، وعن عدم إجراء استطلاع ميداني قبل إرسال مجموعة من نخبة القوة الضاربة في استخبارات الجيش إلى عملية، يتبيّن لاحقاً أن طريق الخروج بعد اتمامها مغلقةً بالثلوج.

منذ اللحظة التي تلت حادثة عرسال، تبيّن أن هناك شيئاً ما يُحضّر. خرجت مجموعة من وسائل الإعلام، التي تعمل يومياً على “شيطنة الحالة الإسلاميّة”، لتقول إن الجثث شوّهت وسُحلت وغيرها من الأعمال العنفية. تأخّر الجيش في التوضيح على لسان مدير الاستخبارات إدمون فاضل. ثم أعلن قهوجي بوضوح وحسم: لم تشوّه جثث العسكريين.

برأي هذا السياسي أن ما جرى في عرسال هو جسّ نبض ردود فعل الحالة الإسلاميّة، وهي حالة غير منظمة. ساد المنطق لدى الإسلاميين فلم يتطوّر الأمر. لكن أمراً آخر حصل. تأخر البت بملف الموقوفين الاسلاميين مجدداً، وهو ملف كادت أن تبدأ حلحلته. هو أمر كفيل بتهدئة الإسلاميين وترجيح كفة العقلاء فيهم لجهة أن الأمور تُحلّ بالهدوء والسياسة. لم تكن حادثة عرسال الحادثة الأولى التي تؤخّر حلحلة هذا الملف، سبق للشيخ أحمد الأسير أن قام بالامر عينه، حتى لو انطلقنا من حسن النية، بأنه لم يكن يعلم ما يفعل.

لكن هذا السياسي متشائم. هو يعتبر أن السكين بدأ يُشحذ لذبح الإسلاميين مجدداً، وهناك من يُكبّر حجم الإسلاميين إعلامياً. في المقابل، يقول أحد الأمنيين الرفيعين، أن حجم الإسلاميين لا يتجاوز 3,7٪ من القوى الناخبة في طرابلس. قدّم هذا الأمني نصائح للإسلاميين بضرورة الهدوء والتخفيف من ظهور السلاح علناً، كذلك من حدة الخطاب السياسي. لا يُنكر هذا الأمني وجود رغبة عند البعض بضرب الحالة الإسلامية مجدداً، لكنه يعتقد بإمكانية تجنّب ذلك، لذلك هو يُقدّم النصائح للإسلاميين ويسعى لسحب فتيل، سيكون لانفجاره أثر سلبياً على البلد. من جهته، فتح قائد الجيش قناة اتصال مع الإسلاميين، وهي قناة قد تكون كفيلة بتخفيف التوتر.

لكن البلد على شفير استحقاقات عدّة، من قانون الانتخاب إلى تكليف رئيس حكومة وانتخاب رئيس جمهورية وتعيين قائد للجيش ومدير عام للقوى الأمنية. كلّها مؤشرات، تقول بأن هناك من سيكون كبش محرقة. الإسلاميون بدأوا يعون ذلك. اللاعبان الأساسيان إلى جانب الإسلاميين في هذا الملف، هما الرئيسان نجيب ميقاتي وسعد الحريري. لديهما ما يكفي من الأدوار للعبها. المهم في الأمر هو طريقة لعب كل منهما في هذا الملف.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: