لو افترضنا أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ورئيس أكبر تكتل وزاري في الحكومة، النائب ميشال عون، قررا تبادل الهدايا في عيد الحب، لكانت الهدية على شكل هجوم سياسي حاد. يختصر أحد العونيين العلاقة بين الجانبين بكلمات واضحة: نحن نهاجمه لنرفع مستوى شعبيتنا مسيحياً وهو يُهاجمنا ليرفع مستوى شعبيته سنياً. الكلمات صادقة، لكنها قاسية، إذا ما وضعناها في سياق آخر، وهو أن الطرفين جزء من حكومة تُدير البلاد، ويُفترض أنها تهتم بشؤون ناسه.
في الظاهر، خرجت في الأيّام الماضية قصّة داتا الاتصالات إلى العلن مجدداً. الاشتباك هذه المرّة، بين ميقاتي وعون. نقطة الاشتباك، في وزارة سعى ميقاتي من البداية عبر تسمية صديقه نقولا صحناوي وزيراً لها، إلى ضبط خلافه مع عون فيها. إذ بات معروفاً أن عون كان يرغب في تولي الوزير غابي ليون وزارة الاتصالات، لكن رئيس الحكومة فاجأه بصحناوي، وهو ما لم يستطع عون رفضه.
في موضوع الداتا، لا يرى العونيّون قيمة لما جاءت به البعثة التي زارت فرنسا. برأيهم القانون هو الحكم. يمسك نواب التيار ملفاً يضم القانون المتعلق بالتنصت، ليؤكّدوا صوابية موقفهم. وُزّع هذا الملف عليهم في الرابية يوم الثلثاء الماضي. توزيعه يُشير إلى الرغبة العونيّة في عدم السكوت. يقول العونيّون إن وزيرهم لن يُخالف القانون حتى لو طلب منه رئيس الحكومة ذلك.
في المقابل، يقول مقرّبون من ميقاتي إن الأمر بالنسبة لرئيس الحكومة ليس تفصيلاً: إنها صلاحية موقع رئاسة الحكومة. حينما يصل أي طلب من وزيري الداخليّة أو الدفاع سيحوّله ميقاتي “شخصياً” كما ينص القانون، وما على وزير الاتصالات إلا التنفيذ. الطرفان يتمسّكان بالقانون، هذا ما يقولانه. إنها مشكلة تفسير القانون. ولن يُعرف الفائز فيها قبل إحالة رئيس الحكومة لطلبات الداتا إلى صحناوي.
لا يخفي مقربون من ميقاتي أن يكون عون يستعمل تكتيته الدائم: الهجوم على أمر ما للحصول على أمر آخر. هناك ما يشي بهذا الأمر. في جلسة الحكومة الأخيرة، والتي كانت أكثر من هادئة، ولم يُثر موضوع الداتا، كما فُتحت طاقة ولو صغيرة في موضوع تشكيل اللجنة المشرفة على الانتخابات، أبلغ الوزراء العونيين تعيين الاستشاري في مشروع تنفيذ نفق جلّ ديب الديب مكان الجسر الذي تم هدمه. وهو أمر طالبوا فيه منذ مدّة. هنا بيت القصيد.
عندما يُسأل هؤلاء عن العلاقة المتوترة مع ميقاتي، يجيبون بسرعة: يضع ميقاتي سلسلة الرتب والرواتب على الرف قائلاً أنه يبحث عن مصادر تمويل، كما أنه منع التعيينات والتشكيلات العسكرية. لا يقبل العونيّون تحمّل أي مسؤولية في مجال التعيينات. يكررون ما قالوه سابقاً بأن الحصّة المسيحيّة لهم وحدهم، ويرفضون بأن يأخذ رئيس الجمهوريّة أيّاً منها، إن لم يأخذ ما يوازيها من الطوائف الأخرى، أو “فليأخذ ميشال سليمان على قدر حجمه التمثيلي”. وبرأي العونيين فإن ميقاتي يقوم بهذا الأمر بالتكافل والتضامن مع النائب وليد جنبلاط ورئيس الجمهوريّة.
ثم يأتي الجانب الأهم في مطالب العونيين من ميقاتي: الخدمات المباشرة. فإذا كانت التعيينات خدمات غير مباشرة، ولا تطال شرائح واسعة، فإنها تكفل وصول مؤيدين إلى مواقع إدارية يسمحون بتمرير الخدمات. وفي طليعة ما يحتاجه العونيون هو “الزفت”. لا يُمكن أن تلتقي بأحدهم إلا وتسمع شكواه من وزارة الأشغال ومجلس الانماء والإعمار.
في المقابل، يقول المقربون من ميقاتي إن المشكلة مع عون هي عدم قدرة التواصل بمنطق. ورغبة العونيين في الاستحواذ على كلّ شيء وتحويل رئيس الحكومة إلى مجرد موظف في الرابية، واستعماله في وجه رئيس الجمهورية.
ويُشير هؤلاء إلى أن العديد من قوى الثامن من آذار يشتكي من امتناع الوزراء العونيين عن تقديم الخدمات لمن يطلبها، أمّا في ما يخص وزارة الاشغال، يُشير المقربون من ميقاتي إلى أن طرابلس تحتاج إلى “الزفت”، والسبب هو أن عدم وجود اعتمادات في وزارة الأشغال، ورفض وزير المال محمد الصفدي تحويل اعتمادات إضافية لوزارة الاشغال. أمّا في ما يخصّ التعيينات، فإن موقف ميقاتي لا يزال على حاله وهو عدم القبول بكسر رئيس الحمهوريّة.
الخلاف بين ميقاتي وعون بدأ قبل تشكيل حكومة ميقاتي، وهو حكماً لن ينتهي قريباً، رغم أن كل المؤشرات لا تدل على أن الخلاف سياسي، بل إنه يتعلّق بوزارة هنا، وصلاحية هناك، وبعض “الزفت الانتخابي” هنالك.
* نشر في جريدة المدن الإلكترونية