يتركز النقاش السياسي في الأسابيع الماضية حول قانون الانتخاب، لكن في الكواليس السياسية، يجري نقاش من نوع آخر: ما هي الحلول لتدارك الفراغ في المؤسستين الأمنيتين الأساسيتين في البلد؟ أي الجيش وقوى الأمن الداخلي.
بعد اغتيال اللواء وسام الحسن، عاد النقاش جدياً في دوائر “تيّار المستقبل” حول ضرورة التمديد لمدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. نقاش، تُقابله حملة جديّة للتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي. يتم تذليل العقبات، واحدة تلو الأخرى، إذ وافق النائب وليد جنبلاط، بعد أن كان يُمانع التمديد لقهوجي. التسوية أتت بأن يشمل التمديد لرئيس الأركان اللواء وليد سليمان.
هكذا، باتت الصورة على الشكل التالي: يتم العمل على إصدار قرار من مجلس النواب لتمديد ولاية قهوجي وريفي وسليمان. العقبة الأساسيّة المتبقيّة هي موقف النائب ميشال عون، الذي يطمح لإيصال أحد المقربين منه إلى موقع قيادة الجيش.
رفض عون، ليس لقهوجي علانية، بل إنه يأتي تحت غطاء رفض التمديد لريفي. اللافت، إرسال بعض المحيطين بقائد الجيش رسائل لريفي، للطلب منه رفض تمديد ولايته، لحلّ هذه العقبة وجعل الأمور أسهل لقهوجي!.
واقع الأمر مختلف، إذ إن موافقة “تيّار المستقبل” وحلفائه على التمديد لقهوجي ترتبط بالتمديد لريفي. لكن ما جرى في عرسال يجعل معارضة عون لقهوجي ضعيفة، خصوصاً مع اعتبار العونيين أن الجيش هو حصنهم الأخير وتكاتفهم حول قيادته.
لكن، ما الذي تغيّر وجعل ريفي يقبل التمديد، وهو الذي لطالما ردّد بأنه سيترك موقعه في المؤسسة الأمنيّة في آذار مطمئن البال، رافضاً كل الطروحات لتمديد ولايته؟
بحسب مصادر مقربة من قيادة “المستقبل”، فإن ريفي التقى بالرئيس سعد الحريري خلال زيارته إلى السعودية، في كانون الأول الماضي. الحريري قال له بوضوح إن الانجازات التي قامت بها قوى الأمن في عهده وعهد اللواء الحسن كرئيس لشعبة المعلومات، في خطر. لذلك، وافق ريفي على التمديد مشترطاً أن يبقى عسكرياً، أي لا يُعيّن كمدني، وأن لا يقوم بزيارات سياسيّة لتمرير هذا التمديد.
في المقابل، سعى فريق الثامن من آذار جدياً إلى أن يفصل التمديد لقهوجي عن التمديد لريفي، لكن هذا الأمر جوبه برفض مطلق من قبل “تيار المستقبل”. وعدم إقرار التمديد قبل شهر نيسان المقبل يفتح الباب أمام فراغ مفترض في قوى الأمن الداخلي للأسباب التالية، بحسب ما يقول متابعون لهذا الملف:
أولاً، صعوبة الاتفاق بين مكونات الحكومة على مدير عام، يحتاج تعيينه لأكثريّة الثلثين. وأي استهانة من قبل الرئيس نجيب ميقاتي في التعاطي سيجعله يخسر كثيراً على بعد شهر من الانتخابات النيابية، لما يحمله هذا الموقع من أهمية لدى طائفة بأكملها، ولما شكله ريفي من رمزية، تعاظمت بعد اغتيال الحسن.
ثانياً، الضابط الذي يحق له أن يكون مكلفاً بعد ريفي يُحال للتقاعد بعد أشهر، لذا على مجلس الوزراء تعيين وكيل للوكيل. الضابط الأكبر سناً هو اللواء علي الحاج! والأهم من ذلك، أن هذه الخضة في قوى الأمن ستكون قبل الانتخابات بشهر واحد.
بالتالي، يقول المتابعون: نحن أمام أقل من شهرين لإقرار التمديد للضباط الثلاثة، أو طي هذه الصفحة بالكامل. الايام الماضية شهدت تداولاً لتوافق سياسي على التمديد لقهوجي وريفي، تبقى العقبة الوحيدة هي إقرار قانون الانتخابات، بحيث سيتم إقرار قانون التمديد في الجلسة عينها التي ستقر قانون الانتخاب أو التي تليها مباشرةً؛ هذا إذا افترضنا أن توافقاً حول قانون الانتخاب سيخرج علينا قريباً.
على هامش ما يجري، كُلّفت جهة قانونيّة بإجراء دراسة حول إمكانية تجاوز مهلة الستة أشهر المفترض أن يستقيل قبلها الموظف في القطاع العام إذا ما أراد الترشّح للانتخابات النيابية استناداً إلى القانون الحالي، في حال كان ترك الوظيفة ناتجاً عن التقاعد وليس الاستقالة، وهي حال ريفي. الجواب كان سلبياً، لكن أي قانون جديد للانتخابات يُقرّ لا يُمكنه أن يتضمن هذا البند لأننا تجاوزنا هذه المهلة. وإذا تضمن القانون هذا الشرط يُمكن الطعن فيه.
إذاً، إقرار قانون جديد للانتخابات يفتح الباب أمام ترشّح ريفي للانتخابات النيابيّة المقبلة، ما يجعل معركة طرابلس أكثر صعوبة على ميقاتي، الذي يُفضل إبعاد هذا المرشح المزعج عبر تركه في قيادة قوى الامن.
* نشر في جريدة المدن الإلكترونية