الزواج المدني على مقصلة “الأديان”

لم يترك رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان هذه الفرصة تمرّ من دون أن يُعلّق عليها. الزواج المدني، يستهدف جمهوراً شبابياً، يرغب في الخروج من زواريب المذهبية في هذا البلد. أرقام السفارة القبرصيّة، تشير إلى وجود أعداد ليست قليلة ممن يقدمون على السفر إلى الجزيرة للزواج مدنياً.هكذا، بعد أيّامٍ على إعلان شابين لبنانيين الزواج مدنياً في لبنان استناداً إلى قانون فرنسي، لم يصدر قانون يلغي مفعوله، أعلن سليمان عبر التويتر والفايسبوك تأييده هذه الخطوة، كاتباً: “يجب أن نعمل على قوننة عقد الزواج المدني. فهي خطوة من خطوات إلغاء الطائفية وتعزيز العيش المشترك”.

عبارة سليمان كانت كفيلة بفتح نقاشٍ حول قانون الزواج المدني. نقاش لا يبدو أن الجميع جاهز له، بل إن طرح سليمان كان مفاجئاً للسياسيين ورجال الدين والناشطين المدنيين على السواء. وقد سبقه عليه الرئيس الراحل الياس الهراوي، الذي ضغط على مجلس الوزراء لإقرار مشروع قانون، رفض آنذاك الراحل رفيق الحريري إحالته على مجلس النواب، ليموت في درج رئاسة مجلس الوزراء. (الضغط من المفتي كان كبيراً، وهُدد رفيق الحريري يومها).

لا يختلف واقع الحال اليوم، عن الأمس. إذ لا يتوقع أحد المقربين من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، موافقته على مشروع كهذا مشيراً إلى أن معرفته الشديدة به تسمح له بقول هذا “إذ إن ميقاتي بغنى عن إشعال الإسلاميين أكثر”، لكنه يشير إلى أنه لم يناقش الأمر مع ميقاتي.
هذا ما يكرره عدد من مستشاري رئيس الحكومة، “الملف جديد ولم يجر نقاشه سابقاً، بانتظار عودة ميقاتي من السعودية”. لكن مقربا آخر من ميقاتي يقول بوضوح: “ما لم يقدر عليه رفيق الحريري يوم كان في عزّ قوته، لن يستطيع ميقاتي القيام به، وهو يستعين بالعكاز لابقاء حكومته واقفة”.

في ذلك الحين، تحالفت المرجعيات الدينية في رفض هذا الاقتراح. اليوم هناك خرق في هذا الاجماع يمثّله البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي أعلن تأييده، لقانون مدني للأحوال الشخصية. في الوقت عينه، فإن رئيس مجلس النواب، جاهر بتأييده لقانون كهذا، وهو وعد وفداً من شبابياً من جمعية “شمل” في آذار ٢٠١١ بأن يُحيل اقتراحهم إلى اللجان المشتركة، وقد فعل هذا، إذ تقول أوغاريت يونان، أن المشروع المقدم حينها وضع في أسفل جدول الأعمال، واليوم لم يعد أمامه إلا عددا قليلا من المشاريع لذلك لا بد من دراسته قريباً.

موقف سليمان، ترافق مع تأييد مشترك من وزيري العدل والداخلية لموضوع الزواج المدني، رغم رفض هيئة الاستشارات في وزارة العدل الموافقة على زواج خلود سكرية ونضال درويش الذي جرى في لبنان. يُبرر وزير الداخليّة الأمر بأن لا وجود لقانون لبناني ينظم عملية الزواج، لذلك هو طالب بإقرار قانون كهذا .

لكن موقف المرجعيتين الاسلاميتين الشيعية والسنية لا يزال على حاله. وهو كفيل بتكبيل أي مشروع جديد. إذ يؤكّد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان أن المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى لا يزال رافضاً، لأن الأمر شرعي وليس سياسيا. موقف مدير عام الاوقاف الاسلامية الشيخ هشام خليفة مشابه أيضاً، هو يؤكّد أن الأمر مرفوض شرعاً وأنه خطر. يضيف: البحث يجب أن يكون هادئاً، والقوانين تسمح لمن يريد الزواج في قبرص. يقول: الموضوع ينقسم إلى شقين: الأول مدى تعارض القانون مع الدستور اللبناني وحقوق الطوائف، والثاني هو مشكلة بعض اللبنانيين، التي يجب بحثها بهدوء ومن دون تحد. ويلفت إلى أن طرح القانون المدني مجدداً سيواجه بحملة من المسلمين ورجال الدين والمحاكم الشرعية، “لأن الأصل هو الزواج الشرعي وهو بسيط جداً”.

سياسياً أيضاً، جدد النائب وليد جنبلاط تأييده للزواج المدني، فيما قال النائب في كتلة المستقبل عمار حوري أن لا موقف لكتلته من هذا الطرح، وأنها ستعيد نقاش الأمر عند طرح مشروع القانون على اللجان المشتركة. أما التيار الوطني الحرّ فيعلن على لسان النائب نبيل نقولا تأييده للزواج المدني.

شمل” متمسكة بمشروعها

في موازاة النقاش السياسي، الذي ليس من السهل اكتشاف الموقف الصادق من الموقف المعد للاستهلاك؛ فإن جمعية “شمل” وحلفاءها من جمعيات مدنية وشخصيات مستمرون في موقفهم الداعم لمشروع الذي قدم في آذار ٢٠١١ إلى مجلس النواب  (http://lkdg.org/ar/node/5230). وتقول أوغاريت يونان إن الخطوة التي قام بها خلود ونضال تُعد خطوة مهمة في إطار رفض القبول بالنظام الطائفي؛ وجريئة تساهم بتحريك النقاش حول الزواج المدني.
لكن يونان، تشير إلى أنها لم تعرف بعد على أي نص قانوني سيستند هذا الزواج، بالمعنى التنفيذي وليس الحق بعقد الزواج. لذلك هي تتفهم موقف وزير الداخلية مروان شربل. كما أنها تؤكّد أن حق الزواج المدني يجب أن يكون مكفولاً من دون شرط شطب المذهب عن الهوية، ويضمنه قانون لبناني.
وتقول يونان إن رئيس الجهورية ميشال سليمان أكّد منذ أن التقته “شمل” للمرة الأولى تأييده للزواج المدني، “لكن لم تهتم وسائل الاعلام بتصريحه حينها”. وتشير إلى أنه طلب من الشباب حينها أن “يولّعها” على وسائل التواصل الحديثة لأن هذا حق لهم؛ من هنا لم تتفاجأ يونان، ولا أعضاء شمل، كما يقول طوني داوود من تصريح سليمان.
ويقول داوود إن موقف سليمان يحظى بدعم شعبي، لكن لا سلطات فعلية للرئيس. ويؤكّد أن الحملة مستمرة بالضغط الذي بات يُثمر تغييراً إيجابياً لدى الرأي العام. وتضم الحملة الوطنية لإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية عشرات الجمعيات والناشطين، منها الجمعية الوطنية لديمقراطية الانتخابات، ونسوية، وحزب البيئة وحزب الخضر وعدد من الجمعيات النسائية والشبابية، لكن الدور الأساسي هو لشمل.

 نشر في الأعداد التجريبية من جريدة المدن الالكترونية ♦

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: