يتنقل النواب اللبنانيون بين الفندق وغرف مجلس النواب لتقرير مصير البلد عبر اختيار قانون انتخاب جديد. هذا ما يُمكن أن يخرج به أي متابع لوسائل الإعلام اللبنانيّة. تصريحات وتصريحات متبادلة من نواب الامة يشعر معها المواطن أن الحياة دبّت مجدداً في هذا الجسم المتوفي سريرياً، والمدعو زوراً مجلس نواب.
يدور النقاش حول قوانين انتخابيّة لا يُمكن أن تقدّم للبلد أي تشكيلة سياسيّة جديدة، ولا تسمح ببلورة مشروع مقبول للمواطن. لكنه نقاش أساسه وضع اللبنة الأساسيّة لانتخاب رئيس الجمهوريّة المقبل. من هنا، يُمكن استخلاص من المشاريع المقدمة، وأسوأها على الاطلاق المشروع الارثوذكسي، ان معركة رئيس الجمهورية المقبل تخاض عبر القانون الانتخابي المختار؛ والقوانين المطروحة حاليا تمهد لانتخاب ميشال عون أو سمير جعجع.
طيب، إذا كان الصراع يدور حول انتخاب رئيس للجمهورية، فكيف يُمكن للطرفين المسيحيين الأقوى، أي عون وجعجع أن يتفقا على قانون واحد؟ التفسير الوحيد المنطقي، هو لعبة الشحن المذهبي، وهي لعبة جاراهم بها حزب الله، “لأن أصل المشروع سوري بما أن من طرحه هو إيلي الفرزلي” على حد قول أحد دهاة السياسة اللبنانيّة.
لكن هذا التجييش للقانون الارثوذكسي لا يملك فرصاً جديّة للنجاح، بسبب وجود تحالف غير معلن يرفض هذا القانون حفاظاً على مصالحه. يتألف هذا التحالف من الرؤساء ميشال سليمان، نبيه بري ونجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط، ويساندهم بشكلٍ غير علني البطريرك بشارة الراعي، كذلك هي حال النائب سليمان فرنجية.
قد يكون وليد جنبلاط الوحيد في هذا التحالف من يملك الجرأة على خوض هذه المعركة علناً. لكن لكلّ واحد في هذا الحلف أسبابه. سليمان يرى أن هذا القانون ينهي أي فرصة لتمديد ولايته، كما يلغي أي إمكانية وصول أي من المقربين منه إلى ساحة النجمة؛ لذلك أعلن قبل بحثه في مجلس النواب أنه غير دستوري، ممهداً الباب لتقديم طعن بدستوريته أمام المجلس الدستوري، ومؤمناً الغطاء الدستوري لمن يرفضه. بري، لا يتخيّل اللحظة التي يجلس فيها عون أو جعجع في بعبدا. الأول خاض ضده الكثير من المعارك منذ موقعة جزين في انتخابات ٢٠٠٩، أمّا الثاني فلا داعي لشرح الخلاف معه، كما أن القانون الارثوذكسي يضعف كتلته النيابية. أمّا ميقاتي فيدرك أن حظوظه مع عون وجعجع لتولي رئاسة الحكومة تقارب الصفر، ومعركة جنبلاط مع المرشحين الرئاسيين علنيّة إضافة إلى أن القانون المطروح يضعف كتلته ويحصرها بالدروز. أمّا سليمان فرنجية فقد أعلن نفسه مرشحاً يوم سمّى نجله طوني للنيابة، ويذوب بالكامل انتخابياً. بدوره يدرك الراعي أن هذا القانون يُمهّد لإعادة النظر بالمناصفة وهي ما تبقى للمسيحيين. إلى جانب هؤلاء يُعارض تيار المستقبل القانون لكنه يتبنى ترشيح سمير جعجع، أو كما يقول أحد حلفاء المستقبل، بأن التيار الأزرق بات منضوياً تحت قيادة القوات.
قد يكون جنبلاط وسليمان الوحيدان اللذان يخوضان المعركة ضد الارثوذكسي علناً. لكن الراعي حرم هذا المشروع من تأييد مجلس المطارنة، وبري لم يمنحه موافقته بعد ولا دعمه، أما ميقاتي وفرنجية فإنهما يبعدان أنفسهما عن المعركة.
رفض الأرثوذكسي لا يعني السير بقانون الستين كما هو. يُدرك وليد جنبلاط أمرين: حزب الله يرفض الستين ولن يقبل به، وميقاتي لن يفوز مجدداً إلا اذا كان القانون نسبياً. القانون الذي قد يكون مناسباً لهذا الموقف هو قانون فؤاد بطرس مع إدخال تعديلات بسيطة. منذ أيام سمّاه الراعي كخيار، واليوم يتبناه جنبلاط كمخرج للجميع، يسمح بإبقاء التوازن السياسي بين تيار المستقبل وحزب الله، فلا يحكم طرف لوحده من دون غطاء بري ــ ميقاتي ــ جنبلاط، وتبقى البلاد في حالة من الجمود لكنها لا تدخل الحرب الدائرة في سوريا، ويمكن لميقاتي أن ينجح ولسليمان أن يؤلف كتلة من عدد قليل من النواب.
Reblogged this on evachoufi's Blog.